المرحلة السياسية
موضوع هذا البحث هو المرحلة الثانية. وسنتوسع ما امكن فيه ونترك بعض التفصيلات لوقتها حيث يبلغ الدعاة بشأنها ما يناسب وسنختم الحديث عن المراحل بهذا البحث اذ لا داعي للتوسع منذ الآن بالكتابة عن المرحلة الثالثة والمرحلة الرابعة.
وسيحتوي البحث على ما يلي:
-
ما هي المرحلة السياسية؟.
-
متى ننتقل الى المرحلة السياسية؟.
-
في ايّ مكان سيبدأ انتقال الدعوة الى المرحلة السياسية؟.
-
ماذا سيظهر من تغييرات في المرحلة السياسية؟.
١. ما هي المرحلة السياسية
نوجز توضيح ماهية المرحلة السياسية بهذه النقاط:
-
المرحلة السياسية هي المرحلة الثانية من حياة دعوتنا.
-
يبرز الكفاح السياسي على جميع اعمال المرحلة.
-
الكفاح السياسي هو التصدي بعلانية لمستحدثات الامور وللاوضاع المعاشة، ونركز فيها على مكافحة النفوذ الاستعماري وآثاره في بلادنا.
-
نصف العمل الحسن بانه حسن ونصف العمل السيء بانه سيء
-
يتعاظم العمل الفكري في هذه المرحلة ولكن يبقى البروز للعمل الكفاحي.
-
تكون اجهزة الدعوة في هذه المرحلة متكاملة.
-
وتكون الامة في حالة تعاطف مع الدعوة.
-
تنمو الأعمال وتتوسع الاساليب بشكل لايؤدي الى صدمة في العمل.
-
يتماشى العمل مع نمو تأثير الدعوة في الامة، بحيث تبقى الدعوة تعمل في رحاب الامة لاتتقدم عنها بمسافات طويلة ولاتتخلف عنها.
٢. متى ننتقل الى المرحلة السياسية
للاجابة على هذا السؤال لابد من بحث عدة امور:
-
الامكانيات الحزبية.
-
علاقة الدعاة بالامة.
-
الظرف السياسي المؤاتي للانتقال.
الامكانيات الحزبية
يقتضي للجماعة التي تريد ان تتصدى للكفاح السياسي:
ان تكون مهيأة ذاتيا لمواجهة مصاعب الكفاح السياسي والصبر على المكاره وتوقع اقسى الاحتمالات.
وان تكون مؤهلة لمتطلبات العمل من اعمال قيادية، واستيعاب لاوضاع ومطالب الجماهير، واستمرارية العمل، واكتشاف مبكر لما يحيط بالدعوة والدعاة، ومتابعة الاعمال الهامة والقيام بالاتصالات الضرورية بتوقيت مضبوط، واصدار ما تحتاجه الدعوة من بيانات سياسية.. وما الى ذلك من اعمال. وتقوم الجماعة بهذه الاعمال جميعها في ظروف سياسية معقدة.
ومن الامكانيات المطلوبة في الدعوة لكي تتمكن من القيام بعملية الكفاح السياسي بدون توقف، مايلي:
-
ان يكون الدعاة منتشرين داخل الاقليم المؤهل لأن تبدأ الدعوة فيه المرحلة الثانية في بقعةجغرافية مناسبة للمساحة التي ينتشر فيها السكان، ليكون الكفاح السياسي ملحوظا في مجاميع الناس المختلفة في ذلك الاقليم. فلا يعقل ان تبدأ الدعوة في صراعها السياسي وهي محصورة في مكان ضيق حتى لو كان هذا المكان هو عاصمة الاقليم بل لابد ان يكون لها وجود في الريف والمدن الاخرى وان يكون الدعاة قد اوجدوا امتدادا للدعوة في الاماكن التي تواجدوا فيها.
-
ان يكون الدعاة في وضع ملائم لاستمرار العمل بأن لا يكونوا مكشوفين كلهم، ولايكون النشاط الاسلامي مقصورا عليهم فقط بحيث يكون دليلا عليهم حيث وجد. بل تكون التغطية للاعمال الاسلامية متوفرة بشكل ما.
ان اعلان اسم الدعوة في المرحلة الثانية من شأنه ان يكشف مجموعة من الدعاة الا ان عدم الانكشاف يبقى مطلوبا بصورة عامة ويمكن تغطيةانكشاف البعض بالانتقال الى مكان يكون فيه غير واضح الوجود والنشاط مجهولا لدى السلطة ووسائل القمع او التجسس.
وقد يبدو في هذا الامر تناقض الا ان واقع متطلبات العمل تقتضي انكشاف البعض وعدم انكشاف البعض. والدعوة بتفكيرها المستمر في العمل وصلتها المستمرة بالله تعالى ستكون مؤهلة لجميع ما يتطلبه العمل.
-
ان يكون تنظيم الدعاة وارتباطهم من الدقة والوضوح والقوة واخذ الاحتياطات المختلفة بحيث لايتأثر بالظروف الصعبة.
-
ان يتوزع الدعاة على مختلف النشاطات لتغطية جميع الاعمال التي تحتاجها الدعوة.
-
ان تكون صلة الدعاة بالله بارزة على جميع تصرفاتهم في اداء النوافل والمستحبات والتوكل على الله وتلاوة كتابه والدعاء وفي جميع الامور.
علاقة الدعوة بالامة
ان المرحلةالسياسية في حياة الدعوة تدخل الامةفي مرحلة جديدة من مراحل وجودها الحضاري، مرحلة اليقظة والتحفز والاستعداد لعملية القفزة من حالة التخلف الى حالة التقدم ومن حالة الجمود الى حالة الحركة، ومن حالة التبعية الى حالة القيادة.
ان التقدم في حياة تطور الامة من حال الى حال مرتبط بارادة الله سبحانه وتعالى ولذا فلا يستعجل الامور انسان فان الله تعالى يقول في كتابه العظيم إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وان التغيير وان كان فيه للانسان ارادة الا انه منوط بارادة الله المهيمن على كل شيء وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ۚ وعلينا ان نعمل والتوفيق للوصول الى النتائج منه تعالى فقد انكسر المسلمون في معركة حنين عندما اعجبتهم قوتهم وانتصروا في بدر وهم قلة مستضعفة. ولذلك فان رأس امرنا هو الارتباط والتعلق بالله تعالى.
ان الدعوة في صراعها مع السلطة ومن وراءهامستعدة للتضحية بالنفس والمال والجهد والوقت بما يتطلبه سيرها في طريقها المستقيم، طريق ذات الشوكة في سبيل الله، ولذلك لابد ان تكون البيئة الاجتماعية التي تعمل فيها بيئة ملائمة تتقبل هذا الصراع وتشجعه فلا تكون الدعوة في واد والامة في واد آخر.
ان تشجيع الامة لصراع الدعوة السياسي مع الفئات التي تعارض الفكر الاسلامي وتعارض عودة الاسلام الى الحياة تعني الكثير تعني ان افرادا من الامة يستسيغون هذا الصراع ولايمقتونه وتعني ان افرادا من الامة يحبذون هذا الصراع. وان افرادا آخرين لديهم الاستعداد للمشاركة في هذا الصراع. وتعني كذلك ان تضحيات الدعوة تحرك مشاعر الامة بصورة عامة وقد تحفز مشاعر الفئات المتقدمة التفكير والفئات المتدينة والفئات التي تتعامل مع الخدمة العامة والمصلحة العامة، وعندما تخسر الدعوة فردا او مجموعة افراد بالسجن تعوض الامة بدل الفرد افرادا وعندما يستشهد في سبيل الله فرد او افراد من التنظيم تعوض الامة التنظيم بافراد ينتظمون في موكب العمل والعطاء.
وبذلك تكون الدعوة مع الامة في مسيرة واحدة تتقدم الدعوة فيها الامة بخطوات لتكون دليلها ومرشدها في مسيرة التغيير.
ان تعاطف الامة مع الدعوة يصل في بعض الحالات او القرى او المدن الى حد جماعي فيقال مثلا: المحلة الفلانية محلة مغلقة للدعوة. ان وجود مثل هذه التجمعات المتعاطفة كليا مع الدعوة برجالها ونسائها واطفالها امر مهم في حياة الدعوة حيث تكوّن هذه المجموعة البشرية حماية ممتازة لكثير من الدعاة الذين تطاردهم السلطة وتكون رصيدا ضخما للدعوة ومنجما كبيراً للدعاة ابطال المسيرة الاسلامية.
ان تيسر هذا الامر هو من بوادر الوصول الى المرحلة السياسية.
الظرف السياسي المؤاتي
الظرف السياسي امر حياتي معقد غير بسيط، تتداخل فيه العوامل المتعددة، وتتعدد المؤثرات في كل عامل. ولذا فان العمل في المجال السياسي بشكل جدي ومؤثر يقتضي الاطلاع الواسع المستمر على مجريات الامور والتفكر فيها للوصول الى حالة التمييز الدقيق بين الاشياء والاحداث والاشخاص والمؤسسات وان يكون العامل في المجال السياسي لديه افكار منظمة وصحيحة عن الاوضاع السياسية العالمية وتطوراتها لكي تكون المعلومات والدقة في التمييز تصب في مجرى واحد مع الافكار العامة في تصور كامل لما هو موجود ولما يجري من احداث.
يتأثر الظرف السياسي المؤاتي للعمل بثلاثة عوامل رئيسية هي:
النفوذ الاجنبي، امزجة الحكام العملاء، والتحركات الشعبية في الاقليم. وسنبحث هذه الامور بما يتناسب مع هذا الموضوع:
أ. النفوذ الاجنبي:
ابتلى العالم الاسلامي بالمستعمرين الاوروبيين منذ ان تطورت وسائل الصناعة في النهضة الاوروبية. ثم دخلت امريكا المنطقة الاسلامية بهدوء بعد الحرب العالمية الاولى، ثم بهجوم واسع على جميع انحاء العالم الاسلامي بعد الحرب العالمية الثانية.
والمنطقة منذ ذلك الوقت تتأثر كليا بهذا النفوذ الكافر.
المستعمرون الاوروبيون والمستعمر الامريكي يتصارعون على النفوذ الفكري وعلى المواد الخام، وعلى اسواق الاستهلاك وعلى السيطرة على الممرات التجارية والعسكرية، وعلى اتخاذ مراكز تموينية وعسكرية للاساطيل الجوية والبحرية في بلادنا.
وتعمل على الساحة الآن امريكا لتزيح بقايا النفوذ الانكليزى والفرنسي وتعمل فرنسا وانكلترا لاستعادة نفوذهما. وتحاول روسيا ان تركز لنفسها موطيء قدم حيثما يتيسر لها ذلك.
ان سياسة الوفاق الامريكية الروسية اثرت على الصراع الدولى بحيث تتحالف القوى الاستعمارية الامريكية والروسية في بعض مناطق في العالم لطرد النفوذ الفرنسي والانكليزي حيث تعتبر امريكا ان انكترا او فرنسا اخطر على مصالحها في بعض المناطق من روسيا السوفياتية.
اللعبة الدولية في مد النفوذ على ارض بلادنا كجبال الثلج الطافي على المحيط يختفي اربع اخماسها او تسع اعشارها ويطفو العشر الاخير، وقد تحجب الامواج العاتية الجزء الطافي عن الانظار من بعيد.
فقد تبدو بعض اقاليم العالم الاسلامي مستقلة وهي ليست كذلك او تبدو وكأنها تحت النفوذ الروسي وهي واقعة تحت النفوذ الانكليزى كما في العراق في بداية اواسط السبعينات، وكما في اليمن الجنوبية منذ حصولها على ”استقلالها“. اوتكون تابعة لامريكا كما في سوريا وليبيا وافغانستان.
ان الرؤية الحقيقية للاوضاع الدولية وللنفوذ الاجنبي من ضرورات العمل السياسي لكي يعرف الحزب كيف ومتى يقوم باعماله بشكل يحقق الاغراض بمشيئة الله تعالى.
اذا اراد السياسي ان يتتبع النفوذ الاستعماري في بلاد المسلمين فعليه ان ينظر الى عدة امور اقتصادية وسياسية:
ينظر الى المواد الخام الى اين مآلها. فمن المواد الخام ما هو مهم بحيث تتنافس الدول على السيطرة عليه وعلى احتكاره اذا تمكنت. ومنها ما لايحتكر لأن تملكه بالنسبة للدول الصناعية يصل الى حد الضرورة فيجرى الاتفاق على ايصاله الى الدول المعنية مع بقاء السيطرة على تحريكه من اجل الضغوط السياسية والاقتصادية وكمثال للصنف الاول اليورانيوم حيث التنافس على امتلاكه على اشده بين الدول لأنه في الوقت الحاضر من المواد ذات الاهمية الكبرى. وكمثال على الصنف الثاني البترول.
وينظر الى تبعية السوق الاستهلاكية.فمن الاسواق ما هو مقيد، وكمثال عليه السوق العربية السعودية المقيدة بالسياسة الامريكية وسوق الدول الخليجية المقيدة بالسياسة الانكليزية.
ومن الاسواق ما هو مفتوح للمنافسة بين الدول كالسوق التونسية واللبنانية.
والنفوذ على السوق قد يبدو كما في المثالين السابقين وقد تكون تبعية السوق مغلـّفة باغلفة مختلفة، ومن جملة الخدع المستعملة في هذا المجال هوية الشركات الحقيقية فان كثيرا من الشركات الامريكية الكبرى لها فروع انتاجية في بلاد اخرى وكمثال لذلك فان شركة جنرال موتورز تنتج سلعها في المانيا وبريطانيا واستراليا، وشركة جنرال الكتريك تنتج سلعها في اليابان وفرنسا والمانيا. وفي مثل هذه الحالات يكون التعامل مزدوجا والنفوذ الاستعماري خفيا.
والنفوذ على السوق الاستهلاكية من الامور المعقدة حيث ان التنافس التجاري يجعل الاحتكار صعبا جدا مما جعل الدول الاستعمارية تتخلى عن فكرة احتكار السوق.
وينظر الى الامور المتعددة التي تدل على تبعية العملاء الحكام ومنها النشاطات السياسية للعملاء خارج اقليمهم. فبعض العملاء يحاطون باطار من الوطنية والاخلاص والطموح لغرض القيام بادوار مختلفة في المنطقة التي تحيط ببلدهم لخدمة النفوذ الاجنبي الذي يتبعه العميل، فقد تكون مصلحة امريكا ضرب مصلحة فرنسا في اقليم للحصول على مادة استراتيجية تسيطر عليها فرنسا وعند ذلك فان اصطناع عميل مؤثر في المنطقة يمكن ان يخلخل النفوذ الفرنسي لمصلحة النفوذ الامريكي كما يحصل في التشاد من قبل القذافي… وهكذا.
النفوذ الكافر يقف موقف العداء من الحركة الاسلامية الا ان هذا الموقف قد يتصف بالشدة والحدة وقد يتصف بالمكر والدهاء والمخادعة. وعلى العاملين في سبيل الله ان يكونوا واعين على ما يحيطهم من نفوذ كافر محارب او مخادع.
ب. امزجة الحكام العملاء:
الحكام في بلادنا الاسلامية ليسوا على شاكلة واحدة ولكن انماطهم بجملتها تتشابه في عدم افساح المجال للعمل السياسي ما امكنهم ذلك لأن هذا التشابه يأتي من الخطة الرئيسية للاستعمار منذ الحرب العالمية الاولى وحتى اليوم.
وبعد ان ابتعد المسلمون عن الاسلام تحاول امريكا ان تضغط على عملائها لاتباع سياسة الانفتاح على العمل السياسي ليأخذ الحكم شكل الديمقراطية الغربية لأنها تعتقد ان الديمقراطية ستشكل الحياة في البلاد الاسلامية على النمط الغربي. ولذلك نرى امريكا تسعى الى تحويل الوضع السياسي في ايران ومصر الى اوضاع شبه ديمقراطية ولاتحاول ذلك في السعودية لأنها تؤمن بالتطور التدريجي. وكذلك نرى ان حافظ الاسد عمل على فسح المجال لمجموعة من السياسيين الناصريين والشيوعيين بعد ان استولى على الحكم في سوريا تمشياً مع اسلوب تطوير الحكم الى الديمقراطية على طريقة التدرج كما تريدها امريكا.
الا ان ذلك لايعني ان الديمقراطية آتية الى البلاد الواقعة تحت نفوذ امريكا لأن امريكا تريد التطور ضمن اطار التحكم بالامور بحيث يكون اتجاه السير نحو نمط الحياة الامريكية.
الديمقراطية التي تعني حكم الشعب فاذا كان مآلها الانفلات من الاستعمار والنفوذ الامريكي فانها تكبح باشد انواع القسوة ولذلك نرى مدى قسوة حكام المسلمين على ايّ تحرك اسلامي في المنطقة.
والحكام في البلاد الاسلامية يتحكمون بالناس ولا يستندون في تحكمهم الا على ارادة الاستعمار ولا علاقة للشعب اطلاقا في تعيين الحكام، كما انهم لايمثلون طبقة من الطبقات كما يحاول ان يفسر ذلك الشيوعيون وانما يمثلون الحكم الفردي كما في مصر وليبيا والجزائر والمغرب وتونس وسوريا والعراق وايران والباكستان وقد يستعين بعضهم بالابناء والاصهار والاقارب، ويمثلون في اقطار اخرى حكم الاسرة كما في السعودية ودول الخليج والاردن، ويمثلون حكم الاسركما في لبنان واليمن الشمالية…الخ.
يصف بعض الصحفيين اوضاع بلاد المسلمين من ناحية التحكم الفردي الذي يعتبره خاطئا بانه منفصل عن ارادة الاستعمار وهذه الصورة التالية التي يقدمها لنا الصحفي انما تعبر عن امزجة الحكام في بلادنا ولاتعبر عن حقائق الاوضاع السياسية ويمكن للدعاة ملاحظة ذلك يقول:
”حين اتخذ عبدالناصر قراره بتأميم قناة السويس في تموز ١٩٥٦م لم يتعدّ عدد الاشخاص الذين عرفوا بالقرار الاربعة عشر.
اما قرار طرد الخبراء السوفيات من مصر في تموز ١٩٧٣م فلم يعرف به الا اثنان وذلك قبل بضع ساعات من ابلاغ السفير السوفياتي.
ويعترف السادات بأنه لم يبلغ الا وزير خارجيته بقراره الخطير القاضي بزيارة القدس في تشرين الثاني١٩٧٧م“.
كانت هذه كلها قرارات خطيرة الشأن حدد بعضها الحرب والسلام ومثلت اخرى (كزيارة القدس) انعطافا جذريا في الخط السياسي الذي دأبت مصر على اتباعه مذ اخذت تلعب دورا فاعلا في الصراع العربي الاسرائيلي عام ١٩٤٨م.
ان الامثلة المذكورة تبين بجلاء كيفية اتخاذ القرارات السياسية الكبرى في مصر، وهي ايضا تنطبق بالدرجة ذاتها على معظم بلدان العالم الثالث الذي لم تبلغ مجتمعاته بعد مرحلة المجتمعات المتقدمة حيث تفرض الشرعية الدستورية قيودا على عملية اتخاذ القرارات.
البلدان النامية بشكل عام تمر في احدى مرحلتين من مراحل تطورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي: المرحلة التقليدية، والمرحلة الانتقالية. وفي كلتا الحالتين يستحوذ فرد واحد عادة على سلطة اتخاذ القرارات، وقد يكون هذا الفرد ملكا بالوراثة او اميرا، اوشيخا ممن يستندون في حكمهم الى سلطة التقاليد وقد يكون قائدا ساحرا يحظى بتأييد شعبي لأنه قادبلده نحو التحرر من القيود الاستعمارية واتجه نحو التنمية. وقد يكون مجرد طاغية دكتاتور يفرض قوانين وانظمة قمعية متذرعا بالمخاطر التي تعترض طريق التطور وما تنطوي عليه من عنف محتمل.
وايا يكن هذا الفرد، حاكما تقليديا، او قائدا او ساحرا فانه يبقى المرجع الاخير في مجمل القضايا السياسية الكبرى. وقد يفوض بعضا من صلاحياته في مجالات داخلية معينة كالتنمية الزراعية والصناعية لكنه يحتفظ بكامل السلطات في مجالي السياسة الخارجية والدفاع. وحتى في حال وجود جهاز ذى صفة استشارية على شكل مجالس لقيادة ثورة او مجلس للامن القومي.. فان دور هذا الجهاز يقتصر عادة على مناقشة القرار المتعلق باحد هذين المجالين بعد اتخاذ هذا القرار، وفي معظم الحالات لاتكون الاجهزة الاستشارية على علم بالحقائق المؤدية الى اتخاذ القرار لذا يندر ان تكون مناقشتها فعالة وان تؤثر على عملية اتخاذ القرار. صحيح ان متخذ القرار قد يستشير الآخرين قبل اتخاذ قراره ولكن الى ايّ مدى يأخذ باستشارتهم تلك مسألة تعود الى قناعته الشخصية. ان احتمال تأثير آراء اخرى في القرار احتمال ممكن ولكن هذا الامكان يظل عشوائيا في احسن الحالات. فالقرار يعود الى الحاكم الفرد وحده بالتحليل الاول والاخير.
ان بعض الحكام في بلادنا الاسلامية يلذلهم قتل المعارضين او تعذيبهم وسجنهم لاقل الاعتبارات وان قصص التصفية الجسديةالتي يمارسها عملاء الانكليز في العراق وعدن يضرب بها المثل في جميع البلاد العربية. والقتل هذا لايقتصر على المعارضين السياسيين بل يشمل رفاق العمل والمساعدين ممن لاينسجمون مع عمل من اعمال الحاكم الفرد في مثل هذين البلدين، ولايقتصر القتل على المعارضين داخل الاقليم بل يتعدى ذلك الى ملاحقة من يكون خارج الاقليم. ويشبه حكام هذين البلدين بعض الشبه حكام آخرون كحاكم الصومال وحاكم ليبيا.
الدعوة تنظر الى جميع هذه الامور لتوقيت انتقالها الى المرحلة الثانية من عملها.
٣. في ايّ مكان سيبدأ انتقال الدعوة الى المرحلة الثانية
قبل الدخول في صلب الموضوع لابد من ذكر موضوع مهم له علاقة بمفاهيم العمل وهذا الموضوع يدور حول: هل هناك فرق نوعي بين اقاليم بلاد المسلمين لأن المتبادر الى ذهن بعض الدعاة ان الدعوة ينبغي ان تسير في هذا الاقليم على غير طريقة سيرها في ذلك الاقليم، مستندين الى الفوارق الشكلية بين الاقليم، كأن يكون اقليم غنيا واقليم غير غني، او يكون اقليم تأثر بالفكر الغربي اكثر من غيره.
حقائق مشتركة في العالم الاسلامي:
يمكن تقسيم العالم الاسلامي الى ثلاث مجموعات:
المجموعة الاولى: البلاد التي فتحت وانضمت الى الدولة الاسلامية وسادتها احكام الاسلام واستقربها الحكم الاسلامي، ثم مزقهاالاستعمار الغربي واقتسمتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الاولى، وتشمل هذه المجموعة البلاد العربية والايرانية والتركية والافغانية وشبه القارة الهندية.
المجموعة الثانية: البلاد التي اسلمت عن طريق الدعوة الفردية بواسطة التجار والعلماء، وتشمل البلاد الافريقية غير العربية والبلاد الاسلامية في اطراف آسيا وفي المحيط الهندى والمحيط الهادى.
المجموعة الثالثة: البلاد الواقعة تحت الحكم الشيوعي والتي عزل اهلها لفترة طويلة عن بقية المسلمين لان السلطة الشيوعية تفرض عليهم الابتعاد عن الاسلام بصورة مباشرة كالبلاد الاسلامية التابعة للاتحاد السوفياتي والصين والبلاد الشيوعية في اوروبا الشرقية.
المجموعة الاولى، تمثل مركز الثقل في العالم الاسلامي، لأن الاسلام فيها عامل ذو تأثير لم يتمكن الاستعمار من ازالته رغم الجهود الجبارة التي بذلها في هذا السبيل. وهذه البلاد هي التي ستتأثر تأثرا مباشرا بالحركة الاسلامية التغييرية، ومنها سينتقل الاشعاع الفكري والاسلامي الى بقية انحاء العالم الاسلامي وبقية انحاء العالم.
وينصرف الذهن في تبادره المباشر الى هذه البلاد عند الحديث عن العالم الاسلامي وللتدليل على ذلك فان الحركة الفكرية الاسلامية موجودة في هذه البلاد، وان بقاياالالتزام بالاحكام الشرعية في هذه البلاد ابرز من غيرها. وقد يكون من المستغرب ان نعرف ان اندونيسيا مثلا خالية من الحجاب الشرعي وكذلك افريقيا غير العربية، بينما السفور في بلاد المجموعة الاولى طارئ بسبب التأثير الاستعمارى الذي لم يتمكن من ازالة الحجاب كليا.
وتشترك المجموعات الثلاث لبلاد المسلمين بحقائق اساسية وكبيرة:
فالغزو الاستعمارى احد هذه الحقائق المشتركة. فقد تعرض العالم الاسلامي للغزو الاوروبي عندما ابتدأ ازدهار اوروبا الفكرى والتجاري والصناعي.
بدأ الغزو البرتغالي للهند سنة ١٤٩٨م واحتلت البرتغال اجزاء من الهند في القرن السادس عشر للميلاد.
وحصل الانكليز على ميثاق تجارى مع الهند في نهاية القرن السادس عشر، ثم لم يلبثوا ان سيطروا على مقدرات البلاد.
وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر غزت هولندا اندونسيا باسم التجارة ثم انتهت الى السيطرة الكاملة عليها.
وفي بداية القرن التاسع عشر ابتدأت فرنسا بغزو الشمال الافريقي واحتلت الجزائر عام ١٨٣٠م.
وقاوم المسلمون الاستعمار البريطاني والهولاندى والفرنسي في معارك متتالية كانوا يخسرون مواقعهم الواحد تلو الآخر الى ان انتهى الامر الى السيطرة الاستعمارية الكاملة.
ابتدأ الاستعمار الاوروبي بغزو اطراف العالم الاسلامي وترك قلب العالم الاسلامي نتيجة لاشتداد الصراع عليه ولم ينته الامر الابعد الحرب العالمية الاولى، فكانت النتيجة ان تمزق العالم الاسلامي واستولى عليه الانكليز والفرنسيون. وحكم الانكليز الهند حكما مباشرا وحكم الهولانديون اندونيسيا حكما مباشرا وتسلم الحكم في تركيا وايران والافغان عملاء عملوا على تحطيم الاسلام تمشيا مع ارادة اسيادهم، وكمثال فقد استولى مصطفى اتاتورك بتخطيط استعماري على حكم تركيا فاعتمد القانون السويسري وقانون العقوبات الايطالي والقانون التجاري الالماني بديلاعن عن الشريعة الاسلامية.والغى الحروف العربية من اللغة التركية وابدلها بحروف لاتينية وحاول الغاء الالفاظ العربية من اللغة التركية لابعاد المسلمين الاتراك عن لغة القرآن.وابدل عطلة يوم الجمعة بيوم الاحد. والغى الازياء التركية وامر باستعمال الازياء الاوروبية للنساء والرجال. والغى التقويم الهجرى واحل محله التقويم الغربي. والغى الخلافة عندما تسلم الحكم. وكانت هذه الخطوات وما تلاها في تركيا وايران والافغان تمثل الهجوم المباشر لابناء المسلمين على الاسلام بتخطيط من الاستعمار.
وهكذا غلب المسلمون على امرهم على ايدي المستعمرين مباشرة وايدي عملائهم.
ومن الاساليب التي استعملها المستعمرون في التأثير على العالم الاسلامي التبشير، وقد غطى هذا العمل العالم الاسلامي من اقصاه الى اقصاه بتفاوت في الشكل والاسلوب ويمكن مراجعة ما كتب عن هذا الموضوع من قبل الكتاب المسلمين.
والمظهر الثاني المشترك: او الحقيقة الثانية المشتركة في العالم الاسلامي انه نشأ في بلاد المسلمين مجموعة من العملاء الفكريين بجانب العملاء السياسيين ولم يخل منهم اى اقليم من اقاليم العالم الاسلامي. وهؤلاء العملاء الفكريون يقومون بالترويج لطراز الحياة الغربية والتفكير المادي ونشر الاضاليل عن الاسلام. ومن امثلتهم اوغلى توفيق في تركيا وكسروي وبهاء الله في ايران وسلامة موسى وقاسم امين في مصر والزهاوي الشاعر في العراق وغيرهم كثيرون تغطي نشاطاتهم مساحات العالم الاسلامي.
والمظهر الثالث من الحقائق المشتركة: تجزئة العالم الاسلامي سياسيا ووضع حكام مرتبطين ارتباطا مباشرا بالمصالح الاستعمارية. وهذا الموضع بحث في نشراتنا السابقة فلا داعي لتكراره، فبلادنا تحت السيطرة الاستعمارية للدول الكبرى وقد يتبدل شكل السيطرة من حكم مرتبط بالاستعمار بشكل واضح الى ارتباط بشكل خفي الى حين، ويتغير الارتباط من دولة الى دولة أخرى.
والحقيقة الرابعة المشتركة: عجلة الاقتصاد في العالم الاسلامي المرتبطة بالغرب وبالنشاط الواقعي للقوى الاقتصادية السائدة في العالم.
نشر احد التقارير ان السعودية توظف ٧٨% من اموالهاالنقدية في مشاريع واستثمارات طويلة الامد في الولايات المتحدة، وذلك ضمن اتفاق سري فرضته الولايات المتحدة على العملاء في السعودية وان السعودية وظفت اكثر من ٢٦ الف مليون دولار في الربع الاول من سنة ١٩٧٨م. والسعودية نموذج من النماذج البارزة في الارتباط الاقتصادي بعجلة الاستعمار.
ومن الحقائق المشتركة في العالم الاسلامي: المستوى الحضارى والتكوين الفكري، وسيادة العصبيات المذهبية والعشائرية والعرقية والاقليمية، والتأثر بطراز الحياة الغربية في العمارة والملبس والمأكل والعلاقات الاجتماعية ووسائل الترفيه، والركض وراء السلع، ووسائل الاعلام والصحافة ومناهج التعليم والتربية.. وغير ذلك..
نقول هذا القول جوابا على ما يبديه بعض الدعاة من الادعاء بان هذا الاقليم يختلف عن ذلك الاقليم فينبغي ان يختلف العمل الاسلامي فيهما. ان الحقائق المشتركة كثيرة وكبيرة ومجال الاختلاف كمي لاكيفي، وبصورة عامة فان العمل السياسي على اساس الاسلام يمنع او يحارب في كل بلاد المسلمين لافرق في ذلك بين البلاد الواقعة تحت النفوذ الامريكي او الانكليزى، البلاد الملكية او الجمهورية، والبلاد ذات الحكم المدني او التي تحكم عسكريا، البلاد التي تتظاهر باحترام الاسلام او البلاد التي تتظاهر بالعلمانية.. وعلى العاملين في سبيل الله ان يجابهوا المصاعب مهما اتسع نطاقها او اشتد اوارها أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾.
ان مصاعب العمل الاسلامي قد تكون في اقليم اكثر منها في اقليم آخر الاانها لاتشكل عائقا امام نشر الوعي الاسلامي وبناء الكتلة الحزبية الاسلامية. وعلى الدعاة ان يكونوا اكثر دهاء واعمق فكرا من دهاة المستعمرين ودهاة عملائهم. ان المعركة قائمة بين المسلمين والمستعمرين ومن يتعامل معهم وبما لديهم من وسائل بطش وتجسس وتضليل. وهي معركة لايتكافأ فيها الطرفان في الوسائل، الا ان وعي المسلمين ورعاية رب العباد لعباده المخلصين هو الذي يجعل كفة المسلمين في المستقبل هي الراجحة إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴿٧﴾. ان التباطؤ في تسيير عمل الدعوة لأى سبب كان غير مقبول. وان مسيرة الدعوة لاتتعطل بسبب ظلم الظالم. ولابسبب شبكات التجسس وفي الحالات الاستثنائية نزيد بذل الجهد في ابتكار وابتداع اساليب العمل للتغلغل بين صفوف الامة باقل الاضرار الممكنة.
ان عملنا ينبغي ان يكون مقتصرا على التفكير الجدّي الدائم في العمل الاسلامي والتفكير في الوسائل المجدية والمناسبة في بث الوعي الاسلامي وتكثير عدد الدعاة ضمن الخطة المرسومة من قبل الدعوة. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾.
المكان المحتمل والظرف الموضوعي فيه
ان الدعوة الآن في وضع تتمكن فيه من توسيع نشاطاتها المطلوبة لتصل الى حالة تتمكن فيها من اسماع صوتها للامة، والجهر بآرائها حول الاوضاع العامة سواء كانت من اعمال السلطة او من نتائج اعمالها، او من اعمال المؤسسات الشعبية الاخرى ومن نتائج اعمالها. وذلك في اقليم او منطقة مؤهلة لأن تكون قلعة حصينة للاسلام بحول الله وقوته. ولذلك لابد ان تقوم الدعوة بما يحتاج هذا التوسع من اعمال. فهذا الاقليم بدأت فيه الدعوة مسيرتها وقطعت اشواطا مباركة وقدمت فيه لله ضحايا ارهفت مشاعر الناس.
وهذا البلد ارتوى بدماء علي والحسين عليهما السلام ولاتزال هذه الدماء تفعل فعلها في الناس فتدفعهم لاتباع الحق ومقاومة الظلم والظالمين. وهذا البلد ارسل الله تعالى منه عبادا اولي بأس شديد فداسوا ارض فلسطين وازالوا اليهود الذين استعلوا في الارض. في هذا البلد الذي يقع في مكان وسطي استراتيجي في العالم الاسلامي.. ترسخ الدعوة نفسهالتوسيع نشاطها ثم لترسم تجارب جديدة لمسيرة الدعوة الى الله في العالم الاسلامي.
لابد من ملء الفجوات ورص الصفوف لأن الله تعالى يحض الذين آمنوا ان يقاتلوا في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.
ان توزيع القوى البشرية، وتحديد العلاقات بشكل دقيق، والالتزام بترتيبات الدعوة المكتوبة والشفوية كفيل برص الصفوف وازالة الفجوات بحول الله، ولابد من التذكر في هذا المجال ان من عناصر انجاز العمل:
-
أ. النية وتحديد الهدف.
-
ب. معرفة تفاصيل العمل.
-
ج. البدء في العمل ومواصلته حتى نهايته.
لدى الدعوة رصيد شعبي كبير يتمثل بتعاطف قطاع واسع من افراد الامة مع اعمال الدعوة. وثقة الامة بخط الدعوة بالعاملين في الدعوة تتزايد مع الايام مما يؤهلها للقيام باعمال كثيره جنبا الى جنب مع جماهير امتنا التي بدأت مشاعرها الاسلامية تحركها نحو عمل اسلامي طويل الامد.
ان الحكام العملاء يحقدون على العاملين في سبيل الله حقدا يذكرنا باحقاد الجاهلية الاولى على حملة الرسالة الأوائل ويتبعون اسلوب الارهاب والتصفيات الجسدية والتعذيب الوحشي بشكل يذكرنا بارهابيي الحركة الصهيونية واساليبهم في محاربتنا في فلسطين والعالم. والعمل في هذا الجو القاسي المحموم يحتاج الى ممارسات واساليب غاية في الدقة والى مؤمنين لديهم من الدافع الايماني الراسخ والاتصال الدائم بالله تعالى ما يكفي للوقوف كالاطواد الشامخة امام اعاصير الطغيان.
ان الاستقراء للاوضاع السياسية القائمة في المنطقة مضافا الى المنطق السياسي يدل على ان امور العملاء في البلاد الاسلامية وخاصة في الاقاليم ذات الحساسية المفرطة في السياسة لاتدوم على حال. خاصة بعد ان يضعف مركزهم الشعبي ويوجدون بمظالمهم الكثيرة اعداء كثيرين.
يقول الامام امير المؤمنين علي عليه السلام عن الظالمين:
”ومن ظلم عباد الله كان خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان له حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شيء ادعى لتغيير نعمة من اقامة على ظلم فان الله يسمع دعوة المظلومين، وهو للظالمين بالمرصاد ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة“
هل يعني انتقال الدعوة الى مرحلة اخرى في اقليم.
انتقالها في اقاليم اخرى.
الدعوة جسم واحد وان تباعدت الاقاليم التي تعمل بها فهي واحدة في فكرها واساليب عملها ونشرتها المركزية واحدة وخبراتها في العمل تنتقل من اقليم الى اقليم. وان ايّ تقدم تنجزه الدعوة وايّ تباطؤ في مسيرة الدعوة في ايّ اقليم يؤثر بشكل ما على العمل في الاقاليم الاخرى. وان البيئة السياسية التي تحيط بالدعوة من ناحية النفوذ الاستعمارى ومن ناحية حكام الاقاليم ومن ناحية المفاهيم السياسية السائدة متشابهة في جميع الاقاليم التي تعمل فيها الدعوة. وهناك تنسيق بين الحكام في مجال مكافحة العمل الاسلامي وان اختلفوا فيما بينهم، ولدينا خبرة في هذا الموضوع وعندما يبدأ انتقال الدعوة الى المرحلة السياسية في اقليم من الاقاليم تظهر على سطح الاحداث انباء نشاطات الدعوة وتنهار اساليب ومحاولات تجاهل العمل الاسلامي الجديد التي كانت تتبع في المرحلة الاولى من عمل الدعوة.. وهذه الانباء تؤثر على ابناء الامة الاسلامية بصورة عامة،كما تؤثر على الحكام وتحفزهم لاتخاذ اساليب لمنع انتشار الوعي الاسلامي لدى شعوبهم وبذلك تتأثر الدعوة وعملها في الاقاليم الاخرى.
ان سير الدعوة في الاقاليم الاخرى يبقى ضمن المرحلة والخط العام للدعوة. ولكن عوامل جديدة تطرأ على مسيرة الدعوة بسبب وجود الصراع السياسي الذي تخوضه في اقليم آخر، وآفاقا جديدة ستنفتح امام عمل الدعوة في الاقاليم الاخرى.
كيف ستنتقل الدعوة الى المرحلة الثانية:
النمو في المجتمع كما في الحياة. كما ينمو الانسان. وكما تنبت البذرة وتتحول الى شجرة تزهر وتثمر، كذلك الدعوة تنمو كما تنمو الاشياء الاخرى بلا ايّ افتعال نموا طبيعيا خاليا من العوارض المرضية كالانتفاخ الذي يظهر الشيء بحجم اكبر من حقيقته وكالفجوات الواسعة التي تؤدي الى التصدع.
ان انتقال الدعوة من مرحلة الى اخرى يعني اتساع قدرتها الذاتية واتساع مجالات نشاطها وهذا لايتحقق الا اذا كانت القدرة الذاتية للدعاة وتنظيماتهم وطريقة عملهم كافية من ناحية كمية ونوعية لاضافة نشاطات جديدة وتغيير العلاقات الظاهرية بين الدعوة ومن يقف في طريقها.
ان نمو الدعوة بذاتها ونمو تأثيرها في المجتمع الذي تعمل فيه امر يحسه العاملون احساسا عميقا فهم يؤدون ما يحتاج اليه هذا النمو من جهادهم ويتعرضون للاذى النفسي والجسمي والمالي ممن يعارض العمل الاسلامي.
وكذلك يحس به الناس لأن النشاطات الاسلامية واضحة لهم وطبيعيه وعندما يألف الناس النشاط الاسلامي المتوسع بالتدريج ويألفون النشاط المتنوع يعيشون هذه النشاطات ويشاركون فيها.. فانهم لايفاجؤون مفاجأة كبيرة باعمال الدعوة الجديدة.
قد تحتاج الدعوة الى ان تحدث هزة في مكان ما لتحرك الناس وتنشطهم للتحرك نحو الاسلام والاقتراب الى العاملين من اجله فيكون في ذلك مفاجأة للناس بشكل ما.
قد تحتاج الدعوة الى الاعلان عن نفسها في عملها في المرحلة الثانية في بدايته او في اثنائه فتظهر وجودها باسلوب بارز لكي تهيء الامة لمجموعة جديدة من النشاطات.
والامة مهيأة لاستقبال العمل والنشاط الذي يصدر عن الدعوة. وقد شعرت الامة بحزن عميق لفقد كوكبة من شهداء الدعوة قبيل موسم الحج سنة ١٣٩٥ هجري ولم يشذ عن هذه الا من كان في قلبه مرض تجاه العمل الاسلامي.
ان كيفية الانتقال الى المرحلة الثانية تدرس من الدعوة في حينها على ضوء الظروف الموضوعية الموجودة. فقد يكون الانتقال بهذا الاسلوب او ذاك او باساليب متعددة.
وهذه الاعمال التالية كلها امور يمكن ان تكون اساليب ملائمة للبدء في الانتقال للمرحلة الثانية:
-
ان تتصدى مجموعة متطوعة من المجاهدين للجهر بالدعوة على طريقة ابي ذر الغفارى رحمه الله، وقد تعمل كمجموعة او كافراد فيقوم الداعية باعلان دعوته ويدعو اهله وعشيرته ومعارفه وابناء بلدته لاتباع الاسلام والجهاد في سبيل دعوة الله تعالى ونشر رسالته ويعمل هو ومن يؤازره في هذا السبيل.
-
ان تصدر فتوى من مجتهد تدعو المسلمين الى الجهر بالدعوة الى الاسلام، وسيكون تأثير الفتوى بحيث ستتيح للمؤمنين ان يوسعوا تأثيرها فيكون لها مفعول منتج في مجال العمل السياسي.
-
ان تقوم الدعوة باصدار بيان للناس تدعوهم فيه الى الالتزام بالاسلام والتصدي بالمعارضة لأي قول او فعل مخالف لتعاليم الاسلام.
-
ان يقوم احد الدعاة او مجموعة باصدار بيان للناس يعرضون فيه اوضاع العالم الاسلامي ويطلبون من الناس التحرك لنصرة الاسلام والالتفاف حول رايته ومتابعة العاملين في سبيله.
-
ان تقوم تجمعات من الناس في مدن مختلفة وفي مناسبات غير متوقعة بمسيرات ترفع شعارات لمعالجة الواقع والالتزام بالاسلام.
-
ان تقام احتفالات او مهرجانات او اي نوع من التجمعات ويعلن فيها ضرورة ان يقوم المسلمون بالعمل لاعادة الاسلام الى الحياة. ويعلن فيها اسم الدعوة او لايعلن حسب اقتضاء الحالة.
-
ان تقوم مجموعة من الدعاة بمقابلة اهل الحل والعقد في المجتمع وتشرح لهم اوضاع الامة وتدعوهم الى مناصرة الله ورسوله ودعوة الاسلام..
ان من اولى مهمات الدعوة في بدايات المرحلة الثانية تجميع طاقات الامة المفككة. ويكون ذلك على مستوى المحلة والمنطقة والاقليم والامة. على ان يكون قطب التجمع هو الاسلام. ان هذا النوع من العمل هو احد الاسس التي يعتمدها الاسلام في طريق عمله وان نقاط التجمع كثيرة وينبغي على الدعاة التفنن في جعل هذه النقاط فعالة. فصلاة الجمعة والجماعة والمواسم الكثيرة عند المسلمين يمكن ان تتحول الى خلايا عمل يومية ويتحول الناس فيهاالى كتلة يخشاها المستعمرون وعملاؤهم.
وكذلك الروابط المهنية المختلفة والجمعيات والنوادي.
ان اعمال هذه التجمعات هي انتصارات جزئية تنقل المسلمين من نصر الى نصر، وتجعل في الامة ديناميكية وفعالية متصاعدة.
ومما يحتاج اليه انجاز العمل في هذه التجمعات:
-
التوجيهات الواضحة.
-
الاقدام والشجاعة.
-
الاستمرار.
٤. ماذا سيظهر من تغيرات في المرحلة السياسية
أ. على الصعيد العالمي:
امامنا نموذج لردود الفعل لدى دهاقنة الاستعمار الغربي لتحرك الشعب الايراني المسلم المجاهد بقيادة السيد الخميني حفظه الله ضد مظالم الشاه ومن وراءه من الساسة الغربيين ويمكن ان نتصور كيف يكون رد الفعل اذا ظهر تأثير العمل الاسلامي المنظم ذي الرؤية الاسلامية الواضحة والرؤية السياسية الواضحة والمواقف الواضحة ازاء النفوذ الاستعماري والمشاريع الاستعمارية.
ب. على صعيد الامة:
سيظهر تيار اسلامي بمظاهر التدين العامة وينتشرالسلوك الاسلامي والمفاهيم الاسلامية. وستتضح الاهداف الاسلامية للناس وستبرز اعمال اسلامية من قبل الدعوة ومن قبل الامة تعيد الى الاذهان الصور المشرقة للحياة الاسلامية والسلوك الاسلامي.
سيظهر تيار سياسي شعبي يؤيد عودة الاسلام الى الحياة وستتأثر بعض اجهزة السلطة بهذا التيار وستنحاز الحوزات العلمية الى صف الدعوة.
ستظهر الدعوات المخلصة الى الابتعاد عن الحساسيات والحواجز النفسية المذهبية بين المسلمين وستقوم الاجهزة الاستعمارية لدفع بعض الحاقدين لمعارضة الدعوة واثارة النعرات المذهبية ضدها كما ستقوم الاجهزة باظهار بعض المؤسسات الدينية والشخصيات الشكلية وكأنها تمثل الاسلام لامتصاص الاتجاه الشعبي نحو الاسلام.
ستتأثر الاحزاب الاخرى باساليب الدعوة في نشاطاتها العامة.
ج. على صعيد الدعوة:
سوف يتألق السلوك الايماني في الحزب ويرتقي الدعاة المجاهدون في مراقي السمو الايماني. ويتمثل ذلك في القيام بما اوجب الله عليهم من عبادة يؤدونها بافضل ما يستطيعون ويؤدون ما يستحب منها بما يتيسر لهم ويتصلون آناء الليل واطراف النهار بالله رب العالمين بالعمل والصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، ويشاهدون رعاية الله الدائمة لعباده المخلصين وهيمنته الكاملة الشاملة على خلقه، فترتفع معنوياتهم لأنهم مع الله ولأن الله معهم ماداموا معه، وعندئذ لاقيمة لمخلوق مهما كبر ازاء من كان الله معه، ولاقيمة للقوى المادية الهائلة التي يواجههم بها اعداء الاسلام.
فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي.
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ.
وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ
خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ.
فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴿٦٨﴾.
سيشيع في اوساط الامة نماذج بشرية تتسامى على الخلافات الحانبية التي تثار حولهم وحول عملهم. وسيتعاملون مع جميع الناس باخوة وبساطة وامانة وحب وايثار.
ستتنامى اجهزة الدعوة وتظهر بحول الله الاجهزة المتخصصة في القضايا السياسية والمحلية والدولية، وفي القضايا الفكرية المختلفة، وفي القضايا الاقتصادية والزراعية والصناعية، وفي القضايا الفنية المختلفة، وستتكامل ثقافة الدعوة بمختلف الابحاث ذات الطابع الاجتهادي المعمق المبلور والعرض الحديث.
ستتكامل اجهزة الدعوة التنظيمية، لتكون الدعوة مدعومة بكفاءات من المجاهدين بحيث تعوض الكوادر التي تفقدها بفعل الظروف القاسية التي ستواجهها.
الهزات التي ستمر على الدعوة ستظهر الامكانات الفائقة لبعض الدعاة في مختلف مجالات العمل، وستتبلور خبرات البعض في نواح خاصة من العمل الحزبي.
سيظهر الدعاة الذين لايستطيعون الاستمرار في العمل الصعب في الظروف الصعبة فينسحبون من العمل اتقاء للمتاعب التي يعتبرونها فوق طاقتهم. كما ان البعض سيتوارون عن محيط العمل طلبا للنجاة. كما سيظهر من يحاول عرقلة مسيرة الدعوة بسبب الحذر او الخوف او عدم وضوح خط العمل.
سيكون تخطيط العمل قبل تنفيذه احد المظاهر العملية الشائعة بين الدعاة في مختلف المناطق، وذلك لوضوح الاهداف البعيدة والاهداف القريبة وطريقة الدعوة في دراسة الاوضاع ووضع تفاصيل الوصول الى الاهداف.