التخطيط والاعداد للمرحلة الثانية

صدر في جمادي الاولى ١٣٨٦ هجري

القسم الاول

لم تعد اهمية تخطيط العمل قضية تحتاج الى مزيد من الايضاح والبيان على ما تكفلت به نشراتنا السابقة، اذ ان اى عمل بدون تخطيط يكون عفويا ساذجا.. لايدرى اين يسير. ولاالى اين يسير.. ولاكيف يسير. ولذلك فان نتيجته ـ في الاعم الاغلب ـ هي الفشل الذريع، مهما بذل في سبيله من جهود وطاقات.

وتتجلى قيمة العمل المخطط ـ في المجال الحزبي ـ في تقسيم طريق العمل الى مراحل مترتبة متدرجة، لها اسسها ومقوماتها ولكل منها خطوطها العامة، واساليبهاالمعينة، وطابعها الخاص على ما هو مفصل فيما سبق من البحوث والنشرات.

كما ان من القضايا التي يقررها التنظيم، ويؤكدها التخطيط ـ في هذا المجال ـ ان انتقال الحزب من مرحلة الى اخرى لايتم بقرار يصدره الحزب، وانما هو واقع يصل اليه كل من الحزب والامة ـ في مجالات النمو والبناء ـ بعد استكمال مقومات المرحلة السابقة بصورة طبيعية. الا ان عدم وضوح هذه الحقيقة بشكل جلي لكثير من الحركات والاحزاب، ادى الى تخبطها وتناقضها في سيرهاوتحطمها في كثير من الاحيان، وذلك ان بعض هذه الاحزاب تتخطى في سيرها بعض المراحل المقررة بشكل غير طبيعي، حيث انها تقرر الانتقال من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية، او من الثانية الى الثالثة. وتأخذ بترتيب آثار هذا القرار في مجالات عملها ونشاطهافي الوقت الذي لم تستكمل فيه مقومات المرحلة السابقة ولم تتهيأ لها المعدات الضرورية لهذا الانتقال بعد.

ولاشك ان لهذه الظاهرة دوافعا واسبابا كثيرة، ويمكننا ان نقسمها بشكل عام الى قسمين رئيسيين.

اولا: اسباب داخلية

ونعني بها تلك الاسباب التي تنشأ من داخل كيان الحزب واهمها:

١. الخطأ في التقدير:

فقد تخطيء القيادة في تقدير استكمال الحزب والامة لمقومات المرحلة الاولى ـ مثلا ـ في مجالات النمو والبناء، وتتصور بأن ماوصل اليه الحزب في تكوينه وبنائه والامة في نمو وعيها وشعورها كاف للانتقال من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية. وعندئذ يسير الحزب في اعماله ونشاطاته وفق الاساليب المقررة في المرحلة الثانية، مع انه في حقيقته وواقعه لمّا يستوف مقومات المرحلة الاولى بعد.

٢. الخطأ في السير:

وهو اما ان يكون بسبب طغيان الجانب السياسي. فانه من المفروض في المرحلة الاولى ان يكون الطابع العام ثقافيا بالدرجة الاولى وسياسيا بالدرجة الثانية، ولكن بعض الاحزاب قد تخطيء في سيرها حيث يطغى فيها الجانب السياسي على الجانب الثقافي، وهي لما تزل في مرحلتها الاولى الامر الذي يجرها ويسوقها ـ دون اختيار ـ نحو المرحلة الثانية من دون ان تتهيأ او تستعد لذلك.

٣. تسرب عدم مراعاة السرية في العمل:

وذلك ان من الامور التي يؤكدها التنظيم الصحيح في المرحلة الاولى: ان تكون السرية هي الطابع العام الذي يلتزمه الحزب في اعماله ونشاطاته. ولكن عدم مراعاة بعض الاحزاب لهذا الخط يعرضها الى الكشف الخطير.. الامر الذي يساعد على جر الحزب الى المرحلة الثانية بشكل غير طبيعي.

٤. الاستعجال والرغبة في الوصول الى الاهداف من اقرب طريق:

فقد يكون الدافع في تخطي المرحلة هو الاستعجال ورغبة الحزب في تحقيق اهدافه من اقرب طريق، ولو لم يكن هو الطريق الطبيعي مع ان المقياس السليم الذي يجب ان يستهديه الحزب في سيره هو (سلامة البناء وصحة السير). ولايصح تحكيم العامل الزمني في هذا المجال، كما لايصح اخضاع السير لعامل الاستعجال. وذلك ان المسألة ليست مسألة زمن بمقدار ما هي مسألة بناء كتلة واعداد امة، لتحقيق الوضع الافضل للاسلام والمسلمين، بافضل طريق واضمن طريق. وان الطريق الذي لايؤمن السير فيه على الحزب والاهداف فهو ليس بطريق، وان تراءى لبعض الناظرين انه اقرب طريق. ولسنا نعني بذلك اهمال عنصر الزمن وعدم الاسراع، فان للاسراع قيمته اذا لم يكن على حساب المقياس الصحيح في السير والبناء وغاية ما نريد ان نقوله هنا هو ان لاتكون الرغبة اللاشعورية في تحقيق الاهداف من اقرب طريق هي التي تدفعنا الى الانتقال الى المرحلة الثانية في الوقت الذي لم نستكمل فيه معدات هذا الانتقال بصورة طبيعية.

ثانيا: اسباب خارجية

وهي تلك الاسباب التي تنشأ من خارج الحزب، واهمها:

١. الاستعمار:

فان من الاساليب الخبيثة التي كثيرا ما يستعملها الاستعمار في تحطيم الحركات السياسية المعادية: ان يقوم بعملية اجهاض لهاقبل ان تستكمل بناءها ونموها الطبيعيين، وذلك لعلمه بصعوبة القضاء عليها ـ وخاصة الاحزاب الاسلامية ـ اذا تهيأ لها النمو والبناء والسير على الوجه الطبيعي السليم. ولذلك فانه يأخذ بالتخطيط لنقلها من مرحلتها التي هي فيها الى مرحلة اخرى وخاصة اذا كانت في المرحلة الاولى. ليتسنى له ضربها والقضاء عليها.

فان كانت قيادة الحزب على مستوى لائق من الوعي والادراك وسلامة التفكير وضبط الاعصاب، فانها تستطيع ان تحمي الحركة ورسالتها من اعدائها، والّا فانه ليس بعد النزول ـ في مثل هذه الحال ـ غير الفشل والدمار.

٢. ضغط الظروف والانقياد وراء الاحداث:

ذلك ان بعض الحركات لاتستطيع ان تسيطر على اعضائها في ايام المحن والازمات، فتندفع بعامل التأثر بسوء الاوضاع وبدافع التخلص من الظلم والفساد، بالشكل الذي يقودها هذا الاندفاع ـ بصورة لا شعورية ـ وراء الاحداث الى الحد الذي تنسى فيه بناء كيانها وخطوط سيرها، الامر الذي يجرهاالى الانتقال من مرحلتها بصورة غير طبيعية.

وهكذا فان بعض الاحزاب لسبب او اكثر من هذه الاسباب تتخطى بعض مراحل سيرها دون ان تستكمل مقوماتها واسسها بصورة طبيعية وهذا ماحدث فعلا لاكثر من واحد من الاحزاب الاسلامية المعاصرة ـ ويا للاسف ـ فأن احدهماقرر الانتقال من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية قبل ان يستوفي بناء كيانه وتهيئة الامة الى الحد اللازم لهذا الانتقال، ثم لم تمض فترة وجيزة حتى راح يفكر ويخطط ويعد للوصول الى الحكم في الوقت الذي لم يستكمل فيه مقومات المرحلة الثانية فضلا عن المرحلة الاولى.

ولايخفى ان لهذه الظاهرة الخطيرة اضرارا بليغة لاتقتصر على ذلك الحزب وحده بل ان اضرارها تتعدى الى بقية الحركات والاحزاب الاسلامية الاخرى، وفيما يلي نعدد اهم الاضرار، بغية الدراسة والاعتبار:

اولا: الاضرار الخاصة بالحزب نفسه: واهمها:

  1. عجز الحزب عن تحقيق اهدافه المسطرة لعدم توفر الامكانيات اللازمة من العدة والعدد. وحتى لو قدر له ان يستمر في السير فانه لايسير الاسير العليل العاجز عن بناء المجتمع الاسلامي وقيادة الامة، لكي تقود الانسانية نحوالحياة الاسلامية الكريمة

  2. تعريض الحزب الى ضربات قوية مؤذية من قبل الاعداء في الوقت الذي لم يعد فيه الحزب نفسه لتلقي مثل هذه الضربات.

  3. تحول الحزب من حركة انقلابية شاملة الى حزب اصلاحي في المجال السياسي.

  4. انعزال الحزب عن الامة وجعله يعيش مع نفسه بسبب عدم ارتفاع المستوى الفكري والروحي لدى الامة الى المستوى الذي ينادي به الحزب، الامر الذي قد يعطي للاعداء فرصة لتوجيه الامة واستخدامها في ضرب الحزب.

  5. ان عدم عناية الحزب بتربية اعضائه التربية الاسلامية القيادية ـ كما ينبغي ـ وكما هو المفروض في المرحلة الاولى مما يضعف من ثقة الامة بالحزب، وبذلك يصعب عليه قيادتها.

ثانيا: الاضرار اللاحقة ببقية الحركات الاسلامية الاخرى واهمها:

  1. تكوين حساسية خاصة ضد العمل الاسلامي بشكل عام وفي نفسيات اعداء الاسلام، الامر الذي يجعلهم في حالة مراقبة واستعداد لضرب اية حركة اسلامية اخرى، وان لم يتضح خطرها، في الوقت الذي لم يستعد فيه العمل الاسلامي لمواجهة مثل هذه الاوضاع

  2. كما ان عدم وضوح طريقة السير وعدم تخطيط مراحلها بشكل كامل وصحيح، سينتهي بها الى نفس المصير..الامر الذي يزيد من يأس الامة من نجاح العمل الاسلامي، ويقلل من ثقتها بجدارة القيادات الاسلامية العاملة، ولو كان بعض هذه القيادات جديرا بحمل اعباء المسؤولية.

فمن ذلك كله يتضح لنا مدى خطورة محاولة انتقال الحزب من مرحلة الى اخرى قبل استكماله لشروط هذا الانتقال بشكل طبيعي صحيح. بل اننا لانغالي اذا قلنا ان مثل هذه العملية لاتعدو ان تكون عملية انتحار سياسي تختم حياة الحزب بما يشبه حركات المذبوح حين تنتهي بالخمود واليأس والاستسلام.

والآن.. وبعد ان اتضحت لنا اهمية التخطيط وضرورة تقسيم طريق العمل الى مراحل مترتبة متدرجة، وضرورة الالتزام بخطوط هذه المراحل واستكمال مقوماتها وعدم تخطيها بحال من الاحوال وتجلت لنا الاضرار والاخطاء المترتبة على مثل هذا الانحراف.. نأتي لبحث التخطيط الصحيح الذي يأخذ بايديناـ بعونه تعالى وتسديده للانتقال من مرحلتنا الحاضرة الى المرحلة السياسية التالية بعد تطبيقنا لمضامين هذا التخطيط، وخروجنا بالنتائج الايجابية الصالحة انشاء الله تعالى.. فنقول:

ينقسم التخطيط للانتقال من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية ـ بوجه عام ـ الى قسمين:

  1. استكمال مقومات المرحلة الاولى.

  2. التهيئة والاعداد للمرحلة الثانية.

اولا: استكمال مقومات المرحلة الاولى:

اتضح لنا من خلال مقدمة هذا البحث ان استكمال المقومات الرئيسية للمرحلة بشكل طبيعي شرط اساسي وضروري لانتقال الحزب من مرحلة الى المرحلة التالية لها. وهذا كما ينطبق على انتقال الحزب من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية كذلك ينطبق على انتقال الحزب من المرحلة الثانية الى المرحلة الثالثة الى حد كبير. ولما كنا قد عقدنا هذا البحث لتخطيط انتقالنا من مرحلتنا الحاضرة الى المرحلة السياسية التالية فلابد لنا من استعراض المقومات الرئيسية لهذه المرحلة الراهنة والخطوط العملية العامة الواجب اتباعها لتحقيق هذه المقومات، على سبيل الاستطراد.

امّا اهم هذه المقومات لهذه المرحلة الاولى فهي استكمال الامرين التاليين:

  1. نمو عدد الاعضاء واكتمال تكوين الحزب في اكثر واهم اجزاء المنطقة التي امتد اليها من حيث المستوى الثقافي والروحي والتنظيمي، بالقدر الذي يمكنه من الصراع مع القوى المعادية ويؤهله لقيادة المجتمع في المستقبل.

  2. استعداد المجتمع لتقبل الافكار والمفاهيم التي ينادي بها الحزب، وظهور بعض آثارها على حياة الافراد والجماعات بشكل واضح.

اما الخطوط العملية العامة التي يجب اتباعها من قبل القيادة وسائر الاعضاء لتحقيق هذه المقومات فهي:

  1. الاهتمام الخاص بثقافة الحزب وذلك بالعناية بالحلقات المركزة واستمرار المطالعات الفردية الواعية الدقيقة للنشرات والبحوث والدراسات الفكرية الخاصة، وعقد الاجتماعات للمباحثة والمناقشة حولها ضمن حدود التوجيهات الصادرة.

  2. الاطلاع العام على الثقافة الاسلامية بوجه خاص والثقافات والتيارات المعاصرة الاخرى بوجه عام.

  3. الاستشعار بتقوى الله في كل حال، ودوام الالتزام باحكام الاسلام في مجالات حياتنا الفردية وعلاقاتنا العائلية ومعاملاتنا العامة.

  4. مراعاة الخطوط العامة المقررة من قبل حزبنا المجاهد في مجالات العمل والتنظيم في جميع نشاطاتنا وعلاقاتنا الحزبية والاجتماعية.

  5. العناية برفع المستوى الروحي والفكري لدى الامة وتوثيق وتوسيع علاقاتنا معها وشدها بالعلماء العاملين المخلصين ورفعها بالتدريج نحو التطلع الى الحياة الاسلامية الكريمة عن طريق اقامة الاحتفالات، واصدار الرسائل والصحف والمجلات وما شابه ذلك ضمن حدود المرحلة الحاضرة، وكما هو مفصل في نشراتنا السابقة ومما يجب التنبيه اليه ـ في صدد تطبيق هذه الخطوط ـ ان الاهتمام بها جميعا يجب ان يكون في عرض واحد، اى ان تكون نسب الاهتمام في كل منها نسبا متقاربة، فيجب ان يكون السير في تنفيذها متوازنا من دون انصراف الى خط او اهمال آخر. فان لهذه الظاهرة اثرها السيء الخطير على حاضر الحزب ومستقبله مما لامجال لتفصيله الآن.

    فمتى استطاع الحزب ان يقطع شوطا مهماً في مجالات تنفيذ هذه البنود الخمسة بشكل متوازن لتحقيق مقومات المرحلة الاولى، فانه يجدر به الا يغفل التخطيط والاعداد للمرحلة الثانية، في نفس الوقت الذي يواصل فيه استكمال مقومات المرحلة الاولى، على ان يرافق هذا الاعداد للمرحلة الثانية، مستلزمات النمو والبناء للمرحلة الاولى.

وسنأتي على بحث دراسة هذا القسم ”الاعداد للمرحلة الثانية“ في عدد قادم ان شاء الله تعالى.

ولايفوتنا ان نلخص ما انتهينا اليه، بان انتقالنا الى المرحلة الثانية رهين باستكمالنا لمقومات المرحلة الحاضرة.

واخيرا فلتكن شعاراتنا في هذه المرحلة:

الى الامام… نحو تركيز ثقافتنا وتوسيع آفاقنا.

والى الامام… نحو تربية نفسياتنا والتسامي بشخصياتنا.

والى الامام… نحو بناء كيان حزبنا وضبط اساليبنا وتكثير عددنا.

والى الامام… نحو توثيق صلاتنا وتوسيع علاقاتنا بامتنا.

والى الامام… وما النصر الا من عند الله.