الداعية في سيره التكاملي

بقلم الشهيد السعيد ابي عصام صدر في صفر ١٣٨٣ هجري

لابد للداعية في سيره التكاملي من اربعة امور:

  • اولا: تفهم المعلومات التي تصدر عن الدعوة فهما يصل الى حد الوضوح فالتبني.

  • ثانيا: مراقبة نفسه ومحاسبتها في تبنيه للمفاهيم وفي مجال عمله.

  • ثالثا: مراقبته للدعوة في حدود امكانياته.

  • رابعا: مراقبة الدعوة له في مجالي الفهم والتطبيق.

وهذه العمليات الاربع مجتمعة هي التي تكون الدعاة الواعين النشيطين.

وفي سبيل تحقيق ماذكر تثبت الدعوة خمسة امور هامة درست بتفصيل في النشرات السابقة وتلخص فيما يلي:

  1. المركزية: وهي ان يسيطر المركز على جميع اللجان المتفرعة عنه وسيطرة هذه اللجان على جميع القواعد، ويقابله اتباع المركز من قبل هذه اللجان واتباع جميع القواعد لهذه اللجان اخذا للمفاهيم وتحقيقا للمطالب وطاعة للاوامر.

    وارتباط المركزية بالسير التكاملي من ناحيتي اخذ المفاهيم والمراقبة فان لم تتحقق المركزية في سلوك الداعية سوف لايكون داعية انما قد يكون ممن يدورون في فلك الدعوة، وقد يتحدث او يعمل بوعي او بدونه بما يناقض ما تتبناه الدعوة.

  2. السرية: وقد عرفتها نشرة سابقة بانها اخفاء الدعوة او متعلقها بالحد الذي تحتاجه الدعوة نفسها. كما ان الدعوة رسمت بعض الخطوط التفصيلية في ذلك فالدعوة تتبنى نشر المفاهيم الاسلامية العامة بكل زمان ومكان، وتتبنى ان يكون التحدث عن العمل المركز المنظم اضيق دائرة من الاول، في الزمان والمكان وحددت الدعوة ان يكون التحدث باسم الدعوة في حالات المخاطبة وفيما هو اخص من ذلك.

    وذكرت ان امد هذا في المرحلة الاولى من المراحل التي تعيشها الدعوة. اما المعلومات الخاصة والقضايا التنظيمية فانها تبقى مكتومة في حدود احتياج الدعوة وذلك في جميع المراحل. وارتباط السرية بالسير التكاملي راجع الى تحقيق الضبط والنظام فهو بالتالي راجع الى تأكيد المراقبة.

  3. تكثير عدد الدعاة: وهذا مفهوم واضح كتب فيه موضوع مستقل بالاضافة الى الاشارات المتكررة اليه في كثير الاحيان.

    وارتباطه بالسير التكاملي من ناحية النشاط بما يحققه من مد في الامة اذ لولا ان تمد الدعوة حلقاتها في الامة فانها لاتكمل عملية الانقلاب الجذري.

  4. الشعور بالمسؤولية: هو الرابط الداخلي للداعية في الدعوة وهو الذي يبلور ويحدد علاقة الداعية بالدعوة. وعلاقة الداعية بالدعوة مبنية على وضوح وتبني الاهداف والواجبات وفعلية العمل، فكلما وضحت هذه الامور قويت العلاقة وكلما قويت العلاقة تعمق الشعور بالمسؤولية، وارتباط الشعور بالمسؤولية بالسير التكاملي راجع الى المراقبة والمحاسبة في جانبيها.

  5. فهم مركز الدعوة في المجتمع: وهذا المفهوم اعطته الدعوة في مكانين من النشرات في موارد قيمة الدعوة واهدافها حيث تذكر انها القوة الوحيدة التي تريد وتستطيع ان تحقق الحكومة الاسلامية في المجتمع الاسلامي ان شاء الله، وفي موارد تحديد المرحلة الحاضرة.

    وارتباط فهم مركز الدعوة في المجتمع بالسير التكاملي من ناحية القيادة الواعية في الخطوط القيادية الثلاثة: قيادة الدعوة نفسها وقيادة الاسلاميين وقيادة الامة بشكلها العام.

    ونشير هنا الى ان مركز الدعوة الموافق لخط سير الدعوة في هذه المرحلة بالخصوص يعتمد على ثلاثة امور شدة وضعفا.

    1. وعي الداعية.

    2. مركز الداعية الاجتماعي.

    3. المكان والزمان.

    فان كلا من هذه الامور يشترك في فهم وبالتالي اظهار مركز الدعوة بشكلها المطابق للواقع.

ولكل من هذه المفاهيم الخمسة انطباع خاص واثر معين على سلوك الداعية الشخصي والدعوتي (شرحت نشرة تكثير عدد الدعاة فكرة امتزاج سلوك الداعية الشخصي والدعوتي).

ولابد للداعية ان يعطي كل واحد من هذه المفاهيم حقها، لايتغلب بعضها على بعض ولايسقط واحدٌ منها.

والنقطة التي نريد ان نركز عليها في هذا الموضوع هو السلوك المترتب على اعطاء هذه المفاهيم حقها من العمل. وان عدم تحقيق ذلك يخلق اضطرابا يسبب كثيرا من الاخطاء ويجعل سير الدعوة ملتويا ومتلكئا.

واذا القينا نظرة على هذه المفاهيم الخمسة منفردة رأينا انها تخلق في العمل الصفة الخاصة المنبثقة عنها. وقد ابتلي بعض الدعاة وبعض الدعوات الاسلامية ـ فاخفقت في النجاح ـ ببروز واحدة من هذه الصفات وطغيانها على بقية اخواتها.

فاذا غلبت المركزية وحدها عاشت الدعوة اشبه ما تكون بمجموعة من الآلات حركتها بحركة المركز لاغير وفهمها بفهم المركز لاغير من ارادة او انفعال حتى بما يكلف به الدعاة انفسهم وحينئذ فسيعجز الدعاة عن مواكبة سير الدعوة وعن مواصلة العمل.

بل وستكون حقيقة الدعوة هي حقيقة المركز فقط وتكون بقية الاتباع (اتباعاً) لادعاة.

واذا غلبت السرية وحدها عاشت الدعوة اشبه ما تكون بحركة الدراويش، اذ ان جو السريه بواقعه جو انفعالي، فاذا تأكد هذا الانفعال تحققت العزلة عن المجتمع الذي كان من المفروض ان ينقاد لهذه الدعوة. ومن مظاهر تغلب السرية لدى بعض الدعاة حزنه لتحسس بعض القريبين منه بوجود فكر او عمل جديد عنده. ومن الاخطاء الفظيعة في المقام انكار بعض ما يتبنى الداعية من مفاهيم اسلامية عامة خشية ان تشم منه رائحة الدعوة.

واذا غلب مفهوم تكثير عدد الدعاة وخرج عمل الداعية عن التحديد بالشكل الذي رسمته الدعوة خالف السرية والمركزية وانقلب الى حب الظهور والرغبة في اصدار الاوامر والتعليمات والتجميع العددي للدعوة. وهذا اما ان يكون سببا عن نقص في فهم مركزية الفكر والادارة، واما لرغبة تجميع اكبر عدد من الدعاة حول من جمعهم باعتباره بلغ حدا من النشاط وفي كل من الحالين لابد من حدوث مخالفات في سرية الدعوة ايضا.

وقد شرحت نشرة (تكثير عدد الدعاة) ان مخاطبة المسلم بالدعوة لا تخلق منه داعية حتى يدرس في الحلقة ويتبنى مفاهيم الدعوة وينفذ اوامرها. وربما نتج من غلبة الشعور بالمسؤولية فقدان المركزية او السرية ايضا، فقد يخطر ببال الداعية مثلا ان احد الدعاة قد اخطأ في امر ـ وهو لايتصل به مباشرة ـ سواء كان يظن انه اعلى منه او يعرف انه في القواعد التي يشرف عليها او لايعلم مركزه فيذهب اليه ليحاسبه، وامثلة ذلك كثيرة… وقد ينتج من غلبة الشعور بالمسؤولية ايضا القيام بعمل خطأ ليس من شأنه ولم يكلف به.

وعندما لايعرف الداعية مركز الدعوة في المجتمع فهو اما ان يكون قد كبر هذا المركز حتى يفرض وجودها وسلطتها على شخص او مجموعة او عمل ما خلافا لما حددته المرحلة الحاضرة، واما ان يقلل من قيمتها حتى لايقيم لها وزنا ـ كما تذكر الدعوة قيمتها ـ ففي الحالة الاولى تنفير للناس عن الدعوة وبالتالي عزلها عن المجتمع. وفي الحالة الثانية تميعها وضياعها وعدم قيادتها للامة ووضوح هذه المفاهيم الخمسة يوضح عمل الداعية ويحقق السلوك الصحيح عنده، وفي الحقيقة اننا لايمكن ان نرسم العمل كشريط مصور لرجل يعمل، وكل مانستطيع ان نرسمه هو توضيح هذه المفاهيم وشرحها في مناسباتها، وعلى الداعية ان يجتهد في استيضاح المكتوب في ذهنه بدرسه وان يجتهد في تحقيق الصحيح من العمل.

وبتعبير آخر: ان شخصية الداعية ـ تفكيره وارادته ومعطياته ـ هذه الشخصية هي التي ينبغي ان تعمل للتوضيح والتصحيح، ولسنا نريد ان نقرر امكان تحقيق المثالية الكاملة في العمل بل لابد لكل عامل من الوقوع في الخطأ، فليس في العاملين معصومون ولكن يمكن ان يكون بين العاملين من هو المثال العالي للعمل الصحيح. واذن فالتطبيق يحتاج الى فهم وتفهم بعمق مركز.

وبعد فلابأس بان نعود للمفاهيم الخمسة لنضرب لها امثلة بشكل آخر.

فمن المركزية ان نضع كل شئ في محله اخذا اوعطاءً، وكل داعية يعرف مسؤوليته داخل الدعوة وخارجها. والعمل في هذاييسر ويعمق ويركز.

ومثل ذلك الشعور بالمسؤولية، فان فهم مركز الداعية يحدد مسؤوليته.

ومن السرية التواضع في العمل وفي التحدث بالمعلومات ومع مافي هاتين الصفتين من قيمة موضوعية فان سرية العمل تتنافى وحب الظهور او الكبرياء من علو في مركز الحزب مثلاـ والعياذ بالله.

ومن مفهوم تكثير الدعاة معرفة عواطف المسلمين والاصغاء الى افهامهم والتأكد من حقيقة الالتباس الذهني ـ ان كان ـ الذي يبعدهم عن اجواء الدعوة، إذ المفروض كون الناس بفطرتهم منقادين للاسلام فكريا، ولابد اذن من ان يكون ابتعاد من ابتعد منهم عنه لخطأ او جهل او سوء سلوك… والتمييز في اى من هذه الامور قد ابتلي به المسلم المعني واجب.

ومن هذا المفهوم ايضا الاصغاء الى مشاكل الناس ومعرفة مسالكهم واحوالهم. وهذا ما يرتبط كذلك اكثر بمفهوم مركز الدعوة في المجتمع.

ومن مفهوم مركزالدعوة في المجتمع عملية قيادة الامة. باعتبارها امة اسلامية وهذا مايحتاج الى بيان نوجزه بما يلي:

ان الامة الاسلامية الآن في حالة تيقظ من سبات عميق مما يستتبع نبوغ بعض المفكرين الاسلاميين ونبوغ بعض النشطين الفعالين من هؤلاء. وهؤلاء المفكرون الفعالون يجمعون حولهم من يميل الى افكارهم وفعالياتهم بحيث تنشأبينهم وبين صاحبهم بعض العلاقات الشخصية، وربما يكون التجمع حول هؤلاء المفكرين بموجب مدرسة فكرية ـ اسلامية طبعا ـ بحيث تكون العلاقة علاقة فكرية اكثر منها علاقة شخصية. ومن هذا الوسط تنشأ الاحزاب الاسلامية وهي تختلف في مفاهيمها وامكانياتها.

وبما ان هدف هذه الاحزاب يكاد يكون واحدا فلابد ان تكون بينها نحو من العلاقات وبما ان للدعوة خط سير وفكر معينين فستكون العلاقة بينها وبين بقية الاحزاب مرتهنة بالتحقق من فهم هذا الخط والفكر، ولكنها في الجملة لابد من ان تكون علاقة طيبة

وضعف العلاقة او قوتها مرهون باقتراب تلك الدعوات من خط سير الدعوة او ابتعادها عنه. وفي الاقتراب لابد من ان يكون الاستيعاب اولا ثم يكون التبني ثم يكون الاحتضان واذن ستحدث بعض الفعاليات او الحوادث في هذه الاجواء التي تعيشها الدعوة.

سوف تحصل بعض اللقاءات بين الدعاة وبين اسلاميين نشطين.

تحصل بعض الجفوة بينهم، يحصل شيء من سوء الفهم. وامثال هذه الامور التي اشار اليها بحث (الدعوة تستفيد من اعدائها ايضا) وهنا لابد ان يتأكد الداعية من العلاقة الحقيقية التي تربطه بهذا الطرف سواء كان تجمعا او فردا، ولابد كذلك ان يكون الموقف القيادي واضحا لديه.

وهنا تبدو حقيقة اخرى هي ان الفعاليات التي خلقتها الدعوة هي نفسها التي اوجبت ان يكون ما يكون في اجوائها من جفوة وسوء تفاهم، وهذه الحقيقة تحتم على الدعوة وعلى الداعية ان يستوعب ما يصادفه لا ان ينفر منه، وان يعالجه لاان يتركه فضلا عن ان يكلم الجرح.

واذا وعى الداعية كل ذلك فانه سيعمل للدعوة ولايرى غيرها ولا يثنيه او يعرقل سيره اية صدمة. ومن الاخطاء التي وقع بها بعض الدعاة لعدم تطبيقهم هذا المفهوم وقوفهم طويلا وبشكل خاطيء امام بعض الاسلاميين غير العاملين، ثم يزدادون ولوجا في الخطأ بأن يبقوا يدورون في اجوائهم ويراقبونهم عن كثب ويحصون اخطاءهم وحينئذ ستنعكس عملية التكامل من استيعاب الى تجسس.

ايها الدعاة المجاهدون..

ايتها القوة التي تريد ان تغير المجتمع جذريا..

راقبوا انفسكم والدعوة واجواء الدعوة. هكذا على الترتيب. انه يجب على الداعية في الوقت الذي يحافظ على سريته، ويعرف مركزيته، في هذا الوقت يجب ان يتحسس بقيادته باعتباره جزءا من الحزب القائد للامة وآنئذ ستكون حقيقة هذاالسير التكاملي، هذا المنطلق فكريا وعمليا: (المنطلق القيادي).