التأكيد على مرحلتنا الحاضرة

صدر في ربيع الاول ١٣٨١ هجري

تمهيد

لعرض مرحلتنا الحاضرة باظهرما يمكن للدعاة فانه يجب عليهم ان يتبينوا سلسله الاعمال المتعاقبه ولو اجمالا، فاسم هذه المرحله التي هي مرحلة البناء والتكوين التغييريه، واسم التي تليها السياسيه، والثالثه الثوريه، والرابعه الحكميه.

ولكل مرحله من هذه المراحل مقومات لاتتم ولاتتحقق المرحله من دون ان تتأكد الدعوه بان هذه المقومات قد حصلت وادت غرضها ولكل مرحله ايضا معالم تتجلى فيها المرحله اكثر فاكثر، كما ان للدعوة خط سيرها العام وهي مقومات ومعالم لاتتغير من حيث الكيف، وانما تنمو وتتسع، اي تتغير فقط من حيث الكم والاين.

وعلى هذا فان الدعوة لها في خط سيرها نحو الغايه التي هي تحقيق المجتمع الاسلامي المرضي عند الله تعالى خطان رئيسيان.

  • الاول: تعميق وتركيز المقومات العامة وتوضيحها على الدوام للدعاة. لان المقومات العامه هي العنصر الاساسي للدعوة.

  • الثاني: العمل نحو بلوغ اهداف الدعوة خطوة تلو خطوة حيث لاينبغى محاوله الانتقال الى الخطوة اللاحقه قبل التاكد من تحقق الخطوة السابقه كما لاينبغي البقاء دون مبرر على الوضع نفسه فتكون الدعوه حينئذ اقرب منها الى الخمود منها الى الحركه.

تعريف بالاسماء

التغييريه: ترى الدعوه ان انسب اسم يطلق على هذه المرحله هو اسم التغييريه، وذلك لما توضح لديها من تصور للعمل من اجل الاسلام، وما ينبغي ان يكون عليه العامل. وهذا التصور ربما لم تتبينه ايه دعوة اسلامية اليوم حسب الظاهر.

ان المسلمين اليوم يعيشون في وضع مهما يقال فيه، ولكنه غير مرضي عند الله، كما هو واضح لدى كل منهم الا من شذ، وربما يوجد بعض الافراد من يستطع ان يسلك السلوك الذي ينجيه يوم القيامة بعض النجاة او كلها، ولكن اذا نظرنا الى الامه الاسلامية بصوره عامه بادنى نظره ومن غير تامل وتحقيق نجد ان هذا المجتمع اقرب الى غير الاسلام منه، بل ربما نجد بعض المجتمعات من المسلمين خصوصا الذين يعيشون في امهات المدن، يحتاج الناظر اليهم ان يتحقق قليلا او كثيرا حتى يعرف انهم لايزالون يعرفون باسم المسلمين.

والدعاة هم من جملة هذا المجتمع لم يأتوه من خارجه ولم يقهرهم ـ يجبرهم ـ على هذا السلوك احد او يغيرهم مغيرفهم هم ـ الا ماحصل عندهم من حمل الدعوه. وهذا امر عظيم ومنـّه من الله تعالى كبيره والتي نحن بصدد تبيانها وتوضيحها حتى يفهم الدعاه ماهم قائمون به وقادمون عليه. ومن الواضح انه مالم يتغير المسلمون من فهم للاسلام ومن تبين الاحكام الشرعيه ومن سلوك دينى صحيح. مالم يحصل كل ذلك فانه لايكون المجتمع الاسلامي.

والمفروض ان اول من يتغير هو حامل الدعوة، والتغير الذي يحصل عنده هو نقطه الانطلاق الحقيقيه نحو الهدف، وكل اساس غيرها لايمكن ان يكون صحيحا وقادرا على تحمل البناء الذي يليه، بل ان اىِ اساس غير هذا لايمكن ان يحصل فوقه البناء.

نعم، فالداعيه يجب ان يفهم ان حمل الدعوة تغيرّ، وبقدر مايستطيع ان يغير من نفسه، من عقله، ومن سلوكه، يستطيع ان يشيد فيما بعد إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ

السياسية: والسياسة كما عندنا في الاسس هي الرعايه ـ واول هذه الرعايه هيِ رسم خطط العمل من اجل الامة وتفهم مشاكلها وطريقة الحل. وتكون الخطوط التاليه هي فتح الباب الذي يسلك للقيام عمليا بهذه المهمه.

ومجابهة الامة بصراحة ما تفهمه الدعوه من الآمال التي ينبغي ان يكونوا عليها لابالتلميح والتلويح. وفي جملة هذا محاسبة الحكومة على اعمالها وتفنيد تشريعاتها واسقاطها في اعين الناس انفسهم والقيام بهذه الاعمال هو دخول المعمعة السياسية دخولا واضحا مكشوفا للجميع، وبعبارة اخرى يمكن للدعوة في تلك المرحلة ان توضح للناس بانها صممت على القيام عمليا برعاية شؤونهم وبالشكل الذي يعرضه الاسلام، او يحقق رضا الله تعالى وانها قادره على اكمال هذه العملية الى ان يكمل عبور الامه نحو شاطئ السلامة. وعلى هذا الاساس صح اطلاق اسم المرحلة السياسية على طبيعة هذه الاعمال.

واهم المعالم في هذه المرحلة ان الدعوة تخطو فيها بعض خطوات اعمال المكافحة وحينئذ يتضح للامه ان الدعوة صادقة فيما تقول فيجتمع لديها آراء الدعوة وافكارها التي تفهم الناس بقدرتها على الرعاية مع عمل الدعوة في هذا الصدد وبطبيعة الحال فان هذه المرحله ستصحبها مكافحة السلطة للدعوة والضغط عليها وهو رد الفعل الناشيء من مكافحة الدعوة. فتعمد السلطة الى ايذاء افرادها اشد مايكون الايذاء كما تفتش عن محلات تجمعاتهم لتحطمهم، ثم هي ايضا تشوه سمعتهم وسمعة الدعوة لتعطي فكرة مغلوطه، اما هذه فهي ليست بقادرة عليه ولكنها قادرة على سجنهم وتقتيلهم. وليعلم الدعاة انهم في هذه المرحلة واجبهم الصبر وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُ‌وا أَجْرَ‌هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾.

الثورية: وهي المرحله الثالثه وانماسميت بالثوريه نسبة للثوره لظهور وبروز اعمال الثوره وعصيان اعداء الله واعداء الدعوه لهم بما يستطاع وربما يكون اسم الثوره هو اصدق كلمه لتلك الاعمال. وفي هذة المرحلة تتهيأ الدعوة لتأخذ السلطان من يد الكافر او اعوانه. واذن فسيكون رد الفعل عنيفا جدا من قبل السلطه الحاكمه كما سيكون رد الفعل عنيفا جدا في هذه المرحله من قبل العملاء الذين تسخرهم السلطه من الغربيين والشرقيين حيث يظهرون ان قيمة الاسلام تافهة في القرن العشرين. كما سيتحمس المسلمون وعلماؤهم الى رد كيدهم في نحورهم.

واهم معالم هذه المرحله ان يعطف الناس على الدعوه فيتساءلون لماذا يصبر هؤلاء المجاهدون في سبيل الله ولايدافعون عن انفسهم وعندهم النصر والقوه. نصر الله تعالى وقوة الامه؟ وهذا آخر مايحدث في المرحله من المكافحة التامة ومنازعة السلطان ومجاذبته أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِ‌هِمْ لَقَدِيرٌ‌ ﴿٣٩﴾.

وواضح ان هذا التساؤل من الناس سوف لايحصل بالمرحله الاولى ولا في اوائل المرحله الثانيه، لان الامه غافله عن الدعوه وعما يعملون. بل ربما يستهجنون عمل المسلم اذا كان عنيفا ويلومونه لانهم بعد لم يتحسسوا بما تحسس به ولم ينكشف لهم ما انكشف له اذ انهم يسيرون في هذه الحياة كالعمي وكالغنم لايعرفون غير العلف واشباع الشهوات.

الحكمية: وهذه مأخوذه من الحكم وهو الفصل والقضاء بين الناس وهو يشمل فعلية الحكم ومراقبته وتوجيهه، وذلك لان الدعوة في تلك المرحله هي القادره وحدها على القيام بهذه المهمه.

وليفهم ان في هذه المرحله مشاكل كثيره كغيرها من المراحل يجب ان تحل الى ان تستطيع الدعوه تحقيق هذه الآيه وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚوذلك بالنسبه للحاكم نفسه. وبالآية الكريمة الاخرى فَلَا وَرَ‌بِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ‌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَ‌جًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥﴾ وذلك بالنسبه للامه.

ونحن الآن لسنا بحاجه الى شرح معالم ومقدمات المراحل الثلاث الاخيره، ولكن ذكرنا ما فيه الكفايه ليعلم الدعاه ان عملهم المتعدد المراحل لكل منها صعوبات جمه و اعمال ربما لايمكن اتمامها مالم تتظافر عليها كل نشاطات الدعاة في جميع الاماكن في تلك المرحله نفسها ونسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يريد.

مقومات المرحله الاولى:

تقوم المرحله الاولى على اربع دعائم او اسس…

  • الاول: الخطط الفكريه.

  • الثاني: التنظيم.

  • الثالث: اعطاء المفاهيم الصحيحه ودحرالمفاهيم المغلوطه

  • الرابع: دراسه الحوادث السياسيه.

لاجل ان تكون مقومات هذه المرحلة صحيحة ومطابقة للواقع لابد من دراسة اجمالية اولا: للحركة الاسلامية والمؤيدين لها والعاملين من اجلها من جهة ومناوئيها ومن يعلنون الحرب عليها من جهة اخرى ومن النظرة الاوليه لهذا الموضوع تتضح عدة نقاط اهمها: عدم تفهم الاسلام تفهما صحيحاً حتى من قبل الداعين له والخصومات العميقة بينهم وانحرافهم من حيث لايشعرون الى سلوك ربما لايحقق مجتمعا اسلاميا وعلى اساس النظرة الاولية افترض الدعاة انهم بدؤوا يتغيرون بانفسهم ثم يغيرون المسلمين ومن ثم يتغير جميع العالم في الارض وتتبدل الاتجاهات السياسية في العالم.

وعلى اساس هذه النظرة الاولية ايضا يبدو ضعفهم وقله حيلتهم وبالتالي هول ما يقدمون عليه من مجموع القوى المادية والفكرية وعلى اساس هذه النظرة الاولية ايضا يمكن ان يرسم الخط الاول للمنطلق العملي من اجل هدف هؤلاء الدعاة ومن يؤثرون فيه. بعباره اخرى هو ان خط السير العملي للدعوة سائر بين اعتبارين:

  • الاول: هو القناعة بالوجوب الشرعي للسعي من اجل قيام الدولة الاسلامية.

  • الثاني: هو مراعاة ضعف وقوة الدعوة.

واذن فان المقومات لهذه الحركه تكون اربع دعائم تستطيع حمل الدعوه في هذه المرحله.

الخطط الفكريه: ربما يكون من فواصل الكلام التحدث عن كون الفكر هو الحجر الاساسي لكل عمل يريد ان يقوم به الانسان وكونه اساسا لما يتبنى المرء من عقيده وفهم عام للكون. فان هذا القول لدى جميع الدعاة باعتبارهم مسلمين يؤمنون بان الفكر الذي هو من اعمال النفس الانسانيه غير ماديات جسم الانسان. ومن اجل هذا فان المسلم مطلوب منه ان يفكر دائما بتدبير الامور (وفي هذاكثير من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة) ووضع الدراسات الشامله لكل ما يقوّم الدعوة ويجعلها شيئا له وجوده المعترف به. يجب ان يكمل وان يتأكد منه. وهي تشمل المعتقدات الرئيسيه في الاسلام ودراسه الهيكل العام للدعوه وجزئياتها ومخطط مفصل لهيكل المجتمع الاسلامي بحكومته وشعوبه.

وهذه الدراسات في الوقت الذي تعطي الانطباعات الصحيحه للعمل كذلك توضحه للدعاة العاملين حتى يتبين لهم سيرهم في كل خطوه يخطونها.

التنظيم: المقصود من التنظيم هو رسم الخطط لسير الدعوة حتى يتسنى لها الانتصار وهو وان كان جزء من الدعامة الاولى وهو الفكر ولكنه في الحقيقه هو الجانب العملي المهم منه فاذا كان الفكر هو المقوم الاساسي للدعوه فان التنظيم في جميع مراحله هو الصوره المعطاة للناس منها وهو الجهاز العصبي لجسم الدعوه.

ودراسه التنظيم من حيث هو والتنظيمات الاداريه في الدعوه وتوضيح معنى المركزيه في الاداره وفي الثقافه وتفهم كل واحد من الدعاه عمله الذي يجب والذي ينبغي. كل ذلك من وجوه التنظيم في الدعوه، اذ لولا النظام لأصبحت الدعوة مدرسه من المدارس العلميه تدرس موضوعا معينا من الاسلام، ربما لاتستطيع ان تتمه او لايكون بمقدورها التحقيق في هذاالمطلب تحقيقا كما ينبغي.

وفي الحقيقه ان قضيه التنظيم من القضايا التي يجب ان يفهمها كل داعيه وان يعيها فان كل فكر في الدعوه وكل عمل غير منتظم قد يبدل المصلحه مفسده.

المفاهيم: لقد اوضحت الدعوه هذه اللفظه في كثير من المناسبات مع ذلك تحتاج الى مزيد من الدراسه والتوضيح ولقد تبين ان كل فكر عملي او مما تقوم به الدعوه في مسلكها هو المقصود بهذه اللفظه. ومما يقدم الدعوه في هذه المرحله هي دراسه المفاهيم الصحيحه للسلوك واعطاؤها للامه. ولابد للدعوه ان تجابه مفاهيم مغلوطه سواء اكان ذلك عن المجتمع والفرد او طريقة العمل وبخصوص الاخير ستكون المناقشه اكثر ما تكون مع حملة الافكار الاسلاميه والعاملين من اجل الاسلام.

ونريد ان نؤكد ان اكثر الذي ينبغي ان يكون فيه النقاش في هذه المرحله مع الدعوات والاحزاب الاسلاميه هو موضوع التنظيم على الاسس الاوليه لتتقارب وجهات نظرهم كثيرا خصوصا في مرحلة البناء هذه.

اذ ان من الواضح ان جميع الدعوات الاسلاميه وان كان قد مضى عليها زمن او حصلت على شيء من الحكم فهي لم تتقدم خطوه في غير مرحله بناء الدعوة الاسلاميه ويخطئ من يظن خلاف ذلك لأن عدم وضوح العمل عندهم سرعهم في لف بعض المعالم قبل ان تأخذ نصيبها من الحركه.

ومن الامثله على ذلك حزب ما شومي في اندنوسيا الذي صار حاكما في نظر الكثير الا انه نكب بعد حين. وليست نكبة هذاالحزب نكبة طبيعية اي ان سببها القوه او الضعف اذ ليس كل من ينكب مغلوبا. ولكن نكبة هذا الحزب جاءت من عدم تفهم الحالة السياسية في اندنوسيا بل والعالم اجمع. ان هذا الكلام في الحقيقه في مسائل دعامة التنظيم دليل على اهمية المناقشة والمحاورة في هذه المرحلة، ان اهم عمل يظهر للدعوة الآن هي طغيان الفكر الاسلامي على بقيه الفكر خصوصا في مسائل العقيده والمجتمع. مما يجب على الدعاة التفتيش عن المفاهيم المغلوطة ومن ثم دراستها وتعميمها على لسان الدعاه وسيتضح الآن ان ليس عمل الدعوه هو المناقشة فحسب ولكن ربما يبدو ان المناقشه هي اظهر شئ.

السياسية: اتضح اسم تفسير المرحله الثانيه بأن الدخول اليها يأتي بغير مقدمات وهذه المقدمات هي نفس عمل الدعوه في المجال السياسي في المرحله الاولى. اذ لاشك ان رعايه الامه تحتاج الى تبصر بالامور ودراسه باحوال الناس ومعرفة بطبائعهم وامزجتهم واذا كان شرط هذه السياسه جريانها وفق النظام المعين الذي هو الاسلام ازدادت صعوبه سوسهم ورعايتهم، لهذا فان هذه الرعاية لاتتم الابعد حصول جماعه من الامه يفهمون هذه المصلحه لانفسهم وغيرهم. والظاهر ان العمل السياسي فن من الفنون الذي يزيد صاحبه في كل عمليه خبره ومعرفه جديده اكثر من كونه علما يدرس بالتفلسف والقوانين وعلى هذا الاساس تحتاج الدعوة الى مرور الزمن لتحصل عندها هذه الميزه كما يتدرب فيها الدعاة على الطريقه الاساسيه في هذه المرحله فاذا فستكون السياسه في المرحله الاولى تدريبا وفي المرحلة الثانيه تطبيقا ففي المرحله الاولى تدرس الدعوة مجملا عن الوضع الدولي وتوضيحا اكثر عن العالم الاسلامي كما تدرس بعض الحوادث السياسيه وتوضح للدعاة كيفيه التبصر بالنكت السياسيه عند رجالات الحكم، كما تدرس بعض التشريعات وتوضح اثرها على الامه. اما بالنسبه للدعاه فسيتعلمون كيف يفسرون الاخبار التي يقرؤونها في الصحف. كما ينبغي الا ينقطعوا عن مطالعة الصحف واستنباط الاحكام السياسية الحقيقية منها. ثم انهم في هذه المرحلة سيتعلمون كيف يناقشون في السياسة وبمرور الزمن يتضح للناس ان الدعاة ـ مع عدم معرفة الناس بالدعوه ـ من المؤمنين الذين يحرصون على تغيير هذا الوضع الى الوضع الخير السعيد. وهنا لابد من التنبيه على نقطه كبيره في المقام وهي ان يفهم الرأي العام الاسلامي في هذه المرحلة من الدعوة ان دين الاسلام هو نظام المجتمع الاكمل الذي يسوسهم بما فيه مصلحتهم، وبعبارة اخرى انه يجب على الداعيه عندما يناقش حادثه سياسيه تنتقص من شرائع الحكومات الحاضره او ان يوضح ظلم بعض الحكام الى آخر ما هنالك من القضايا يجب التنبيه الى اننا كمسلمين نقول هذا القول وننقد هذا النقد. اذ ان المشهور على لسان جميع افراد الامه شكواهم وعدم رضاهم بالاوضاع الحاضره من جميع الطبقات فذكر هذه النواقص من دون ربطها بمصير المجتمع الاسلامي لايرفع من مستوى محدثيه ولايقربهم الى مفاهيم الدعوه. وادق من هذا ان الناس عندما يشكون ويتظلمون تكون اغلب شكاياتهم واقعها الفرديه وقصد خلاص كل واحد منهم الا من كان بحزب او حركه سياسيه ولما كان الدين الاسلامي هو أمل كل آمل ومنتهى كل رغبه، وان توهم الكثيرون انه لايتحقق، فالداعيه يبين حرص المسلمين الاخيار على المصلحه العامه وهذا غايه ماترتقي اليه الدعوة في هذه المرحلة سياسيا.

المعالم:

المعالم جمع معلم وهي لاتختلف عما تقدم من المقومات الا بالاعتبار والاففي الحقيقة ان معالم طريق الدعوه هو الهدف الذي يدفع الدعاة للعمل وهو مايسمى بالعله الغائيه وليس من مرشد لهم في الطريق الا الله سبحانه وتعالى فهو الذي يأخذ بايدي عباده الصالحين الى غايتهم النبيله وقد ذكر الله جل ذكره هذا الامر في كتابه المجيد حيث قال وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ. ان ما تقدم ذكره من المقومات وهي الفكر والدراسات الموضوعيه والتنظيم والمفاهيم الصحيحه ورأي الدعوه في الحوادث السياسيه. والسياسه بصوره عامه كل ذلك سيظهر في المستقبل ان شاء الله تعالى ويبدو واضحاً للعيان فحدوث كل جزيئه من هذه الجزيئات باعتبار كونها مجلية للناس وكاشفه عن فكر الدعوه فهي احدى المميزات للنشاط والفعاليات الاخرى وهي بالاصطلاح علامه على وصول حد من الحدود واجتياز عقبه من العقبات. ثم ان هذه المعالم لها اعتبار ثان وهو ماستحدثه من رد فعل لدى الحكام الحاليين ومن لايفهم مطلب الاسلام بالتغيير ورد الفعل هذا غير مقصود في الدعوه بل العكس هو المقصود ومن هنا: فستكون عندنا افكار واعمال وقائية تحقق او تدفع قوة ردود الفعل وطبعا هذا ليس في الاسس ولا من المقومات وان كان لابد من حصوله بل ربما حصل منه رد فعل للدعاة ايضا ـ رد فعل لرد فعل ـ وهو احكام امرهم وتجدد عزائمهم ومضاعفه نشاطاتهم. وعلى هذا الاساس فان معالم هذه المرحله كثيره لابد ان تتحقق بحول الله وقوته فمنها استجابه كثير من الاعلام والفقهاء حفظهم الله للعمل جديا من اجل الاسلام حيث يتضح لهم جدوى العمل ونجاحه بعد ان كانوا يعيشون في غمرة من اليأس ومنها ظهور الكتب والمجلات والجرائد التي تدعو للعمل بالاسلام بشتى الطرق والالوان، ومنها تغيير خطباء المنابر والتحدث بلهجه تختلف عن اللهجه السابقه الى كثير من امثال هذه المعالم. ومنها عكس ذلك كما ذكرنا من امثال هذه المعالم، افعال السلطة ومن يدينون بالمبادئ الاخرى…

ومن المعالم ايضا النشاط غير الاسلامي والمقصود: بغير اسلامي تأسيسه من قبل السطان بقصد الهاء الامه وحرفها عن الدعوة ولعل هذا الامر لايتضح للناس الا في المراحل الاخرى من حياة الدعوة ومن هنا يتوضح ان المعالم في الجمله هي الجزيئات التي تنبثق عن تشييد الاسس في هذه المرحله التي هي ـ كما ذكرنا الآن. فهي بهذا الاعتبار الميزان المكشوف للدعوة والخطوط البيانيه التي ترسم فيها الحركات وربما دلت على اساس غير محكم وربما دلت على اساس مغلوط ـ نستجير بالله من ذلك ـ واذا فان المعالم بهذا الاعتبار يجب ان تكون موضع عنايه من قبل الدعوه وتدرس دائما وبكل جزيئاتها وبعباره اخرى انه يجب عدم اهمال اى عمل او ثمره او خطأ بل يجب ان تدرس كل الآثار الايجابيه والسلبيه وسواء كانت هذه الآثار من داخل الدعوه او من خارجها.

واجبات الدعاه في هذه المرحله: انه مما تقدم توضحت الخطوط وقوام الدعوه الى آخرها. وسيكون الدعاة الاوائل والذين يعملون في هذه المرحله ايدهم الله تعالى هم قاده الامه في المستقبل ان شاء الله وعليهم تقع المسؤوليه ولاجل رسم بعض الخطوط العمليه القيمه للدعاة نبحث الموضوع في نقطتين:

الاولى: المقدره المركزيه: تعتبر الدعوة ان مقياس قدره الداعية بما يقدمه بالفعل لها وذلك لاجل ان يحصل على المحل الذي يمكنه ان يخدم بالطريقه الطبيعيه. ربما يبدو ان تسامحا في هذا التعبير ولكنه عند التدقيق يتضح ان النتاج الذي يقدمه الداعية بالقوة متوقف على بذل جهد اكبر او معرفه بالمفاهيم والموضوعات اكثر، ولذا فان واقع حقيقتها هو مايقدمه بالفعل اما اذا قيمت المقدره بما يمكن ان ينتجه اختل نظام العمل وتغيرت المقاييس اما المركزيه فهي من ناحيه مفتاح الارتباط بين داعية وداعية آخر وبالمركزيه هذا الارتباط يضعف او يقوى ومن ناحيه اخرى طريق الوصول الى العمل المنظم الذي بواسطته يعرف الداعية ماذا يجب ان يفعل. ولفظ المركزيه مأخوذ من المركز اى ما يحدد الداعية من الدعوه وبنشاطه او بضعفه يتغير المركز. وخلاصة هذه النقطة ان الداعيه متمكن من السيطرة على نفسه وينبغي ان يعرف نفسه اكثر مما يعرفه الغير.

وينبغي للداعيه ان يعرف ظروفه وما يطلب منه حتى يستطيع ان يعمل بانتظام ومن غير انقطاع، اما اذا لم يتدارس احواله وكان يعيش في كثير من الاعمال والاحلام ما قام بواجبه ولاتبين مصلحته فاما الدعوة فلابد ان تشترك مع الداعيه على رسم مخطط العمل به.

الثانية: في السلوك والسلوك هذا له ثلاث شعب في آن واحد اى ليس بينهاترتيب طولي اذ ينبغي للداعيه على الدوام ان يحاسب نفسه في امور ثلاثه:

  1. في نفسه: وذلك مصداقا للحديث الشريف

    ”حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا“

    انه قبل كل شئ يلزم ان يحاسب نفسه بحدود هذا المقياس. هل تغير حقيقه؟ وما مقدار التغير؟ لقد تقدم ان حقيقه المرحله الاولى هو التغير والتبدل الى جهه الاسلام ان شاء الله تعالى ومعنى هذا التغير وحقيقته في نفس الداعية يلزم.

    وبعبارة اخرى انه ينبغي ان يعرف نفسه اكثر من غيره ـ كما تقدم ـ ويجب ان يسعى نحو الكمال بدافع من ضميره وبحافز من نفسه وهذا هو بداية التبدل والتغير حتى يتشبه برسول الله ﷺ فهو المثل الاعلى للسلوك عند المسلم اذ يقول القرآن الكريملَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْ‌جُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‌ وَذَكَرَ‌ اللَّـهَ كَثِيرً‌ا ﴿٢١﴾

  2. في الدعوة: من القيام بالتكاليف وما يجب عليه من تكثير عدد الدعاة وقد تقدم في نشرة سابقة ان عمل الداعية مع الناس الذي هو طلب تغيرهم يلزم ان يكون بمنظار واحد هو منظار الدعوة فان الثقافة التي يعطيها الداعية للناس يجب أن تثمر وتنمو حتى تنتج مؤمنا تمكنت منه هذه الثقافة، يعمل بموجبها. ولابد ان تحصل هذه الثمرة مرة بعد اخرى والافلم يكن ما يعطيه الداعيه ذا قيمة حقيقية او انه لايعرف لمن يعطي اوكلاهما.

  3. الامة والاعمال المتفرعة الاخرى: ان هذا الشعبة ليست كالشعبتين السابقتين حيث يقل تنظيمها، فان العمل مع المجتمع لابد من انتظامه والعمل في الدعوة لابد ان يكون دقيق النظام، اما العمل في الخارج فهو منظور فيه جانب الحاجة وطبيعة الجماعة التي يعمل معهم ونذكر في هذا امثلة من دون شرح: ارتياد المجالس والاحتفالات للقيام ببعض الاعمال الاصلاحية والخيرية. الاكثار من القراءة والمطالعه، ودراسة الحوادث السياسية وتوضيحها عندما تجري المناقشة فيها من قبل الآخرين. اعطاء الدعوة مايراه نافعاً من الاخبار وكتابة التقارير.

    ومن الواضح ان يكون الداعية على بصيرة من امره دائما وان ينظر الى نفسه دائما باعتباره داعية عندما يتصل بالناس وعند ما يقوم بايه فعاليه من الفعاليات فان غفلته عن ذلك تفقده شخصيته وتحجب عند الناس هويته.

طابع هذه المرحله:

ان الدعوه في مرحلتها الاولى تكون سريه لايعلم بها الا من تحتاج اليه، ومن هذا التعريف يمكن ان نوضح السريه بعد درس الامور التاليه:

  1. المفاهيم: وهي ـ كما تقدم ـ معالجة كل مشاكل مجتمعنا الحاضر والاسس التي تقوم عليها بالطريقة الاسلامية اي بالحلول التي وضعها الاسلام وهي على قسمين: عامة وخاصة فالعامة هي اكثر ما يتعب الدعوه والدعاة لان اهم واكبر عمل بالنسبة للمجتمع هو هذا فان مخاطبة الامة والتحدث بالمشاكل التي تحصل بين الناس وتبيان وجهة نظر الاسلام والحديث عن العقائد والمبادئ ومناقشتها وحث الناس على العمل من اجل الاسلام وترك المحرمات والاتيان بالواجبات مما فصل في ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. والحديث كذلك عن المشاكل السياسيه بالشكل الذي تحدده الدعوة كل هذا مما يجب نشره والتاكيد عليه. والخاصه هي المفاهيم التنظيميه مثل. لاينفع الاالعمل الجماعي المنظم. ومثل: الدعوة للتكتل على اساس الاسلام ومثل الحديث عن بعض طرق التنظيم فهذه مفاهيم لاينبغي للداعيه ان يسترسل في الحديث بهاويطلق لها العنان في اى مكان وانما لابد من التقيد بالمكان والزمان بالنسبه لهذه الاحاديث وانسب الاماكن هذه هي المجالس الخاصه والحلقات المفتوحه

  2. الدعوة: ان قيمة الدفع في العمل والخطر الذي يخشاه اعداء الاسلام يكمن في التجمع وليس في التحدث بالمفاهيم خطورة والاعلان عن وجود هذا التجمع هو الذي يفتح عليه عيون اعدائه ويسبب حركة رد فعل غير اعتيادي عند السلطة للتفتيش عن مراكز التجمع والقضاء عليه في مهده وهذا ما لاتستطيع الدعوة في مرحلتها الحاضره ان تقف امامه وان لاتتأثر بمضاعفاته ومن هنا فان الاعلان عن وجود دعوة او التحدث باسمها او جلب الناس بصورة اجتماعية لها كل ذلك سابق لأوانه.

  3. الادارة والمنظمات: وبطبيعة الحال ان الدعوة محتويهَ على ادارة ومنظمات هي التي تسيطر على حركتها وهذا واضح.والذي نريد ان نشير اليه ان معرفه الادارة على التفصيل لايتوقف عليه سير الدعوه ولانموها وكذا معرفة اللجان المحلية وباقي اللجان. نعم المفروض ان يعلم اجمالا بان الادارة بل كل لجنه لايمكن ان يعمل فيها الا من اثبت خبرة وجدارة والا من يساعد مساعدة فعالة على انماء الدعوة. اما التفصيلات الاخرى حتى نوعية الاعمال في كثير من الاحيان والاسماء والاماكن وزمان اي عمل فهذا ما لايؤثر في سير العمل بل انه يؤثر العكس فان معرفة هذه التفصيلات من اي عضو من الاعضاء بل اي لجنة من اللجان ربما يضر اكثر مما ينفع. غير اننا لاننسى ما تقدم من تعريف للسريه من كون المعرفة محصورة بالفائدة وعلى كل حال فان هذا المعنى الاخير من السرية يبقى كما هو حتى بعد المرحلة الاولى خط سير الدعاة العام.

بعد ان حصلنا على الكفاية من توضيح السير الخاص من مرحلتنا الحاضرة نعود لنذكر اجمالا: الخط العام لسير الدعوة والتي نوهنا عنه في بداية البحث والذي يبدو واضحا للدعوة ان خط السير العام هو نفس الخط في هذه المرحلة التي هي النواة وهي الاصل وكل ما سيأتي في المستقبل ـ ان شاء الله ـ فهومرتب على هذه المرحله ومبني عليها اذ كمثال يقال: في الفرع ما في الاصل وزياده اى ان خط السير العام يبقى كما أعطيت عنه هذه الصوره الاجماليه وانما يكون نموه من حيث الكم فسوف لاتتغير الاسس التي بنينا عليها دعوتنا المباركه من الاستمراريه في التغيير النفسي الى الاحسن وفي التفكير ورسم الخطط وفي الكفاح والجهاد وحمل الامه على تفهم الاسلام. وانما ستتغير بعض الصور في المراحل الآتيه ان شاء الله ولعل سيدنا رسول الله ﷺ اشار الى هذا المعنى بقوله:

”انتهينا من الجهاد الاصغر وبقي علينا الجهاد الاكبر“

قالوا: وما الجهاد الاكبر يا رسول الله؟

قال: هو جهاد النفس.

وذلك عندما رجع من غزوة بدر التي هي اول معركه ادخلت المسلمين في مرحله جديده. فاراد ﷺ ان يعرف المسلمين بان خط السير العام لم يتغير ولاتتصوروا يا مسلمين باننا امسينا اهل الحروب وانتصارات فحسب بل انها وسيله ومن هنا نريد ان نقول بأن النواة ستسقي شجرة دعوتنا المباركه لا تتغير في جوهرها ولكن في هيكلها والله سبحانه هو الموفق وهو الهادي الى الرشاد.