كيف نجعل الدعوة همنا الدائم

صدر في ربيع الثاني ١٤٠١ هجري

مقدمه

بعد صدور بحث ”دراسة الوقت والعمل“ الذي يحتاج من الدعاة حفظهم الله الى همة وجدية لتطبيقه على أوقاتهم وأعمالهم. نستعرض في هذا البحث بعض مستويات الدعاة في حمل همّ الدعوة، وانواع المصاعب والابتلاءات التي تعرض للداعية فتؤثر على ذهنه ووقته وقد تحرمه من نعمة العيش الدائم في آفاق الدعوة المباركة، وآفاق العمل الصالح في سبيلها.. وندرس واحدة من أهمها، وهي مشكلة الحساسية والخصومة. وباستطاعة الدعاة حفظهم الله ان يقوموا بدراسة بقية المصاعب بهذه الطريقة. كي تكون هدىً وعوناً للعاملين في طريق ذات الشوكة.

ويلاحظ الدعاة الميامين أنا نستعمل في البحث الكلمات المترادفة الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة والشائعة بين الناس وفي الدراسات النفسية، وهو استعمال مقصود لتقريب التعابير الاسلامية الى الذهن وارجاع التعابير المرادفة المعاصرة إليها.

فكلمات: الابتلاء، والفتنة، والمصيبة، والإختبار والإمتحان والصعوبة والمشكلة والعوامل السلبية.. الخ.

كلمات مترادفة بالمعنى العام المقصود في البحث.. وكلمات: الحساسية والغل والغيظ والكراهية والبغضاء والعداوة والخصومة والمجادلة والمماراة والملاحاة.. الخ. مترادفة بالمعنى العام لمشكلة الحساسية والخصومة. وكذلك كلمات: الذهن والنفس والقلب والفكر الواردة في البحث أيضا.

الدعاة وحمل همّ الدعوة

إن الدعاة بحمد الله تعالى ليسوا كغيرهم ممن لايهتم بأمر الاسلام والمسلمين، فأقل داعية حظاً في عمل الدعوة لايقاس بأولئك الغافلين الذين وصفهم الله تعالى بأنهم يشغلون أذهانهم ويصرفون أوقاتهم في اللهو الذي لاهدف له وفي اللعب الذي له هدف تافه وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ.

والدعاة أيضا بشر لهم حاجاتهم البشرية الطبيعية، فلابد للداعية ان يصرف بعض وقته لكسب معيشته وشؤونه الشخصيه:

إن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وان للقلوب إقبالاً وإدبارا..

وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ

ولكن المسألة الأساسية في وقت أحدنا وذهنه تبقى الإجابة عن سؤال: كيف أجعل وقتي وذهني للدعوة فلا أنفق منهما لغيرها إلا أقل ما يمكن؟ كيف تكون الدعوة همي الدائم، فيكون ذهني مشغولاً ووقتي مصروفاً في قضاياها الثلاث المتكاملة:

  • مايقرب المسلمين من الاسلام.

  • وما يحقق للدعوة تقدماً في الدعاة والاعمال.

  • وما يحقق للمسلمين مصلحة في شأن من شؤونهم.

إن عمرنا الذى هو كل ثروتنا قصير محدود.. فأيامه القليلة التي نستيقظ في اولها وننام في آخرها تمر بنا متتابعة وتذهب فلاتعود.. ونحن نستوفيها اليوم تلو الآخر حتى نبلغ آخر ساعة لنا فيها، فتأتينا ملائكة ربنا لتذهب بنا فلانعود.. وطاقاتنا الذهنية قليلة محدودة، تتنازعنا عليها مطالب البدن ورغائب النفس، ومشاغل الاهل، ومشاكل الحياة والناس.. ولو أعطينا ذهننا ووقتنا لنوع من هذه الابتلاءات والأمور الشخصية والمعاشية لاستهلك طاقاتنا بمستلزماته وتفاصيله المستمرة.. فكيف نتغلب على هذه المصاعب ونجعل الدعوة همنا الدائم؟

إن الدعاة العاملين يتفاوتون في حمل همّ الدعوة تبعا لقدراتهم ومواهبهم التي أنعم الله بها عليهم، وتبعا لتوفيقه اياهم في تحقيق الموجبات والتغلب على الموانع من حمل همّ الدعوة. ولانتكلم هنا عن غير العاملين من المتطفلين على الدعوة، والفضوليين والثرثارين والتاركين الذين ينشغلون بالتحدث عن عيوب الدعاة ونقد الدعوة عن العمل للدعوة، ولاعن الهامشيين المشغولين بالعمل الوهمي عن العمل الحقيقي للدعوة فللحديث عن هؤلاء مجال آخر. انما نتكلم عن الدعاة العاملين الذين يحملون همّ الدعوة بمستويات منها ما يلى:

  1. بعض الدعاة يعيش جانباً من عمل الدعوة دون غيره، فيحمل همّ عمل في التوعية العامة التي تقرب المسلمين من الاسلام. او همّ كسب الأفراد الى صف الدعوة، اوهمّ تنمية الدعاة المسؤول عنهم وتنشيطهم، اوهمّ عمل قائم من اعمال الدعوة، اوهم فتح مجال جديد للدعوة.اوهمّ خدمة للمسلمين في شأن معاشي او سياسي.. الخ. ويعطي هذا الجانب ذهنه ووقته ويعمل لانجاحه وتطويره.

  2. وبعض المجاهدين يعيش همّ الدعوة في محلته او منطقته من كل الجوانب، فهو يفكر دائما فيما يمكن أن يقرب المسلمين من الاسلام في تلك المنطقة، وفيما يمكن أن يحقق تقدماً للحزب في زيادة عدد الدعاة ورفع مستواهم، وتنشيط اعمال الدعوة وتوسيعها الى مجالات جديدة، وتركيز وجودها، ودفع مسيرتها في المنطقة. وفيما يمكن ان يحقق مصلحة للمسلمين في جانب من حياتهم.. ويقوم بتحريك طاقات الدعاة والأمة في المنطقة للعمل في هذه المجالات، ويصرف وقته فيها حسب اختصاصه وحسب الحاجة والأولوية.

  3. وبعض المجاهدين يعيش همّ الدعوة من كل جوانبه في كل إقليمه، ويفكر بقدر في الدعوة في الأقاليم الأخرى.

  4. وبعض المجاهدين يعيش همّ الدعوة ومسيرتها من كل الجوانب في كل الأقاليم.

  5. وبعض الدعاة يحمل همّ الدعوة في مستوى من هذه المستويات بمجرد أن يتفتح على وعي الاسلام وينتظم في الدعوة وتنفتح أمامه من نشرات الدعوة وتوجيهات مسؤوله آفاق العمل، فيتحرك ذاتياً وينطلق في عمله الدعوتي بفاعلية ووضوح، ولايحتاج الى مراجعة مسؤوله الا في دراسة النشرات الصادرة، وفهم المواقف الجديدة، وتدارس الخطوط العامة لعمله وحقله.

  6. وبعض الدعاة لايحمل همّ الدعوة في أحد مستوياته إلا بالحث والمتابعة والمحاسبة والتوجيه التفصيلي من مسؤوله، والتنشيط من اخوانه الدعاة ثم يحتاج الى ذلك باستمرار.. وإلاّخمدت جذوته وفترت همته، وانشغل ذهنه.

أنواع الابتلاءات والصعوبات التي تؤثر على حمل الداعية لهمّ الدعوة

تعترض الداعية أربعة انواع من الإبتلاءات والمصاعب تؤثر على حمله لهمّ الدعوة وإعطاء ذهنه ووقته لعملها وهي:

أولاً: الابتلاءات الشخصية، أهمها:

  • أ. الفقر والحاجة المالية للحد الادنى من النفقة. اما بسبب عدم حصوله على عمل يسد معيشته ويبقي له من وقته لعمل الدعوة، او بسبب تخفيه عن السلطة او هجرته. واما بسبب فقر الاهل عندما يكون الداعية طالبا، او بسبب عدم انفاقهم عليه لعدم رضاهم عن خطه الاسلامي، او بسبب منّهم عليه ورغبته ان يستغني عنهم ماليا. واما بسبب عدم كفاية مورده المالي الخ.

  • ب. الحاجة للزواج وعدم تيسر ذلك إما بسبب عدم القدرة المالية على توفير مسكن ونفقة للزوجة والاطفال، او بسبب رغبته في الزواج من نوعية معينة من الفتيات، او رغبتها في الزواج من نوعية معينه من الشبان ولايتسير ذلك، او بسبب الاعراف الاجتماعية التي تمنع من حل المشكلة الجنسية عن طريق زواج المتعة لدى من يعتقد بشرعيته من المسلمين. او بسبب موانع أخرى نفسية او اجتماعية.

  • ج. المشاكل الزوجية والعائلية، إما بسبب عدم الإنسجام النفسي والتنافر، أو بسبب التباين في الاتجاه والسلوك او بسبب مطالبهم الكثيرة التي تستغرق وقت الداعية لو استجاب لها وتمنعه من عمل الدعوة.

  • د. مشكلة الزوجة الداعية بسبب مشاغل البيت والاطفال والزوج والوظيفة التي تستهلك وقتها وتمنعها من العمل للدعوة وكذلك مشكلة الفتاة بسبب الوظيفة او الدراسة وعمل المنزل وموقف الاهل من عملها الدعوتي.

  • ه. الصدمات والابتلاءات التي تكون عرضت للداعية في حياته فأثرت في نفسه آلاماً وسلبيات لم تشف منها نفسه بعد تماما، فهي تعود إليه بين فترة واخرى وتؤثر على عمله الدعوتي بقدر وآخر.

ثانياً: الصعوبات داخل الدعوة:

بسبب عدم الانسجام مع مسؤوله او بعض إخوانه الدعاة.

إن الأخوّة في الله تعالى والمودة الحميمة والانسجام بين الدعاة نفحة من أجواء الجنة جعلها الله في الحياة الدنيا ولاتشبهها حالة بين مجموعة إنسانية الا ماكان بين صحابة رسول الله ﷺ وصحابة الائمة ومجموعات الدعاة في تاريخ هذه الامة، ولكن ذلك لايعني عدم حصول حالات بشرية من عدم الإنسجام بين الدعاة. إما بسبب إهمال المسؤول للداعية وعدم اهتمامه بتنميته فكريا بتدريسه نشرات الدعوة وتوجيهه الى القراءة النافعة، وعدم اهتمامه بتنميته عمليا بدراسة محيطه ومجالات عمله وتوجيهه بمفاهيم الدعوه واساليب عملها، أو بسبب خطأ الاسلوب الذي يتبعه المسؤول في معاملة الداعية كأن يشتمل الأسلوب على الفوقيه، أو القسوة، أو الإحباط او التكليف بما لايطيق، او بتمييز بعض إخوانه عليه بدون موجب، أو مع الموجب ولكن بأسلوب يجرح شعوره.. أو ماشابه أو بسبب عدم قدرة المسؤول على استيعاب الداعية وتوجيهه، لأن الداعية أنشط منه ذهنياً أو عملياً أو لكونه من نوعية أخرى لايمكن لمثله استيعابها وتشغيلها. وإما بسبب أن الداعية ينظر الى مسؤوله نظرة مثالية ويتوقع منه في مختلف الأمور أكثر مما ينبغي، أو بسبب أنه يطلب منه المواكبة والتوجيه في تفاصيل عمله التي لاموجب لذلك فيها، أو بسبب أنه يستهلك من مسؤوله الكثير من الوقت والجهد في الإهتمام به ولايعطي للدعوة إلا القليل، أو بسبب عدم جدية الداعية في امر الدعوة وعدم اهتمامه باستيعاب فكر الدعوة واساليب العمل، او بسبب عدم انضباطه وعدم إطاعته لتوجيهات المسؤول وأوامره..الخ.

وكذلك يكون عدم انسجام الداعية مع إخوانه لأسباب متعددة عملية ونفسية وفكرية أو مشتركة من هذه الأمور.

وقد يبلغ عدم الانسجام بين الدعاة، كما هو شأن الطبيعة البشرية والضعف الانساني، حالة الحساسية. وقد يحدث اعاذ الله جميع الدعاة الميامين أن ينزغ الشيطان بينهم فيبلغ ذلك درجة الكراهية والخصومة.

ثالثا: الصعوبات من خصوم الدعوة:

وينبغي أن نميز بين اعداء الدعوة الذين هم: الاستعمار وعملاؤه الفكريون والسياسيون وبين خصوم الدعوةالذين هم بقية المسلمين الغافلين الذين يعارضون أعمال الداعية والدعوة لأسباب مختلفة.. فهؤلاء هم أمتنا وحقل عملنا ولهم وضعت الدعوة قاعدة (لا نخاصم من يخاصمنا ولا نعادي من يعادينا من الامة) وقد تكون الخصومه للداعيه من ارحامه وعشيرته الاقربين وقد تكون الخصومة للداعية من معارفه ومحيطه الإجتماعي، او من المنحرفين الفاسقين، او من المتدينين الراكدين، او من الفئات التي تخشى أن تتضرر من عمل الدعوة، كالمتزلفين والاحزاب اللااسلامية، والعلماء القاعدين أو المنحرفين، واصحاب الوجاهات والثروة.

وقد تكون الخصومة بالكلام على الداعية في غيبته، او في وجهه. او بالضغوط العائلية والاجتماعية عليه كي يترك دعوته، وقد تكون بإشاعة التهم والافتراءات على الداعية بقصد إسقاط شخصيته ومنع تأثيره على الناس وتأليبهم عليه. وقد تكون نشاطاً من الخصوم لعرقلة اعماله وتخريب إنجازه. وقد تكون نشاطاً لتجميده ومنعه من العمل كلياً.

أو تكون مكراً لإلحاق أنواع الأذى به.. إلى حد قتله.

رابعاً: الصعوبات من اعداء الدعوة:

يشعر اعداء الاسلام وعملاؤهم السياسيون والفكريون بعمل الداعية ووجود الدعوة قبل غيرهم من أبناء الأمه، لأن اهتمامهم بالساحة السياسية أكثر من الأمة، ويلاحظ في هذا المجال ان اليهود والبريطانيين وعملاءهم اكثر اعداء الاسلام تنبها للعمل الاسلامي الحقيقي وخطره عليهم. فقد كان اول من تنبه لوجود الدعوة في العراق وبدأ بمحاربتها حزب البعث وجواسيس بريطانيا وفي لبنان أحزاب الموارنه.

وقد يبدأ أعداء الدعوة عداءهم للدعاة واعمالهم بتحريك من يأملون تأثيرهم عليهم.

ثم يوقعون الخصومة بين الدعاة وبين الفئات والشخصيات المهيأة لخصومتهم من الأمه.

ويستعملون اسلوب التضييق على الدعاة في المجالات المختلفه كمجال الجامعات، والنقابات، والمعاملات الرسمية، والوظائف، والأعمال المهنية والتجارية، والصحافة والإعلام.. ويصعدون عداءهم للاسلام فيمنعون أعمال الدعوة المعلنة والاعمال التي تؤثر عليها الدعوة، ويضاعفون التضييق والمراقبه الأرهابية والإضطهاد للدعاة بالاعتقال وتوجيه التهم الباطلة.. وفي هذه الحالة تدخل الدعوة مع أعداء الاسلام معركة صامتة اذا لم تكن بمستوى البدء بالمرحلة السياسية.

أو معركة مكشوفة تواجه فيها السلطة واعداء الاسلام بما تستطيع من قوة ويصّعد الأعداء هجمتهم الوحشية الشرسة للقضاء على الدعاة بالإعتقال والتعذيب الوحشي الحاقد والقتل للدعاة وذويهم ومن يتعاطف معهم من الأمه..

وينتج عن هذه المحنه التشريد والهجرة.. وينتج عنها من الآلام والنكبات والمصاعب والابتلاءات ما يصعب وصفه.

تأثير الصعوبات على حمل الدعاة لهمّ الدعوة

لهذه الصعوبات تأثيرات عديدة سلبية“وايجابية“على أنفس الدعاة وعملهم. وهي قد تختلف الى حد التباين بين داعية وآخر، سواء في تأثيرها النفسي والعملي فقد يكون تأثير ابتلاء واحد عميقاً وواسعاً ودائماً في نفس داعية، وسطحياً محدوداً سريع الزوال في نفس داعية آخر وقد يكون تأثير صعوبة ان يترك داعية عمل الدعوه أويكاد، بينما يكون تأثيرها لدى داعية آخر زيادة في حمل همّ الدعوة ومضاءً في عملها. ولذلك يصعب تقنين آثار المصاعب والإبتلاءات وإعطاء تقديرات مسبقة عنها والحكم على إنسان بمدى ثباته على الهدى والنجاة من السقوط إلافي حالات قليلة، بسبب تعدد الصعاب، وتفاوتها، وتداخلها وتفاعلها داخل عالم النفس البشرية المتشعب، فهي تشبه صعوبات تعرض لشجرة من العواصف، والامطار والحر، والبرد، والعطش، والفطريات، ووجود مواد ضارة في التربة.. الخ. حيث يختلف تأثير هذه العوامل تبعا لنوع الشجرة وشدة وضعف الصعوبات، وترتيب ورودها وتفاعلها، والظروف الأخرى المحيطه بحياة الشجرة ونموها

وأهم العوامل التي تسبب اختلاف تأثير الصعوبات على الدعاة:

  1. نوعية تكوين الداعية العقلي والنفسي، وتربيته الاولى التي نشأ عليها في اسرته وبيئته. فالناس كما في الحديث الشريف معادن كمعادن الذهب والفضة، وكل إنسان ميسر لما خلق له، والله يخلق ما يشاء ويختار أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِ‌هَا والمفاهيم والعواطف والعادات التي يكسبها الإنسان من اسرته وبيئته وينشأ عليها يحمل منها في شخصيته كما تحمل النبتة من خصائص التربة ورواسبها. ومع ذلك فإن باستطاعة الانسان أن يصحح الآثار السلبية ويزيل الرواسب اللااسلامية التي حملها من الاسرة والبيئة.

    وتبعا للتكوين والتربية الأولى هذين يكون اختلاف تأثير الصعوبات والابتلاءات على الدعاة شدة وضعفاً ودواماً وزوالاً.. فرب صعوبة تؤثر على داعية بدرجة كبيرة وعلى آخر بدرجة أقل بينما لاتؤثر على ثالث شيئاً، بسبب الإختلاف بينهم في تكوينهم النفسي وتربيتهم الاولى.

  2. كمية الابتلاءات وشدتها، ومدتها، وظروف تواردها على الداعية، فإن الابتلاءات بأنواعها الاربعة تتفاوت في هذه الصفات فيختلف مدى تأثيرها على ذهن الداعية وعمله.

  3. النعم التي تقابل الابتلاءات والمصاعب فهناك نعم ربانية ظاهرة وباطنة تقابل وتعادل الآثار السلبية للإبتلاءات من الهم، والحزن، والإستياء، والاذى، والغيظ، والغضب، والألم، والحرمان، والنقص،والقلق، والإهانة، والظلامة، فتعوّض الداعية عنها، وتزيل تأثيرها عن نفسه وعمله، أو تخففه أو تجعله يتجاوزها وينساها،وتعيد اليه الرضا والعمل الدعوتي.

  4. وعي الداعية لمفاهيم الإسلام واحكامه المتعلقة بمصاعب الحياة وابتلاءاتها عموماً، ووعيه للإبتلاءات والصعوبات التي يعانيها. فان تحويل الابتلاء والصعوبة من حالة يستسلم الداعية لضغطها وتأثيرها على ذهنه وعمله إلى مسألة وقضية يدرسها في نفسه ونفس غيره.. يعطيه وضوحاً فيها وفي المفاهيم والموقف الاسلامي منها، ويخفف الى حد كبير من تأثيرها السلبي وإن فشل في تطبيق المفهوم والموقف الاسلامي عليها مرات. ويمكن أن تكون دراستها بالتفكير أو بالكتابة سواء بنفسه او مع اخوانه.

  5. العبادة بالصلاة وتلاوة القرآن والدعاء وذكر الله عزوجل بالقلب واللسان والتفكير.. فان لنوعية هذه العبادات وكميتها اثراً كبيراً في زيادة القدرة على التحمل والتقليل من الآثار السلبية للابتلاءات والمصاعب إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ‌ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ‌ مَنُوعًا ﴿٢١﴾ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴿٢٢﴾، أَلَا بِذِكْرِ‌ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿٢٨﴾، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ‌ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِ‌ينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ

  6. التجارب والتعوّد على الإبتلاءات المختلفة فإنها تقلل من وقعها وتأثيرها على الذهن والعمل غالبا.

الحساسية والخصومة

كلمة الحساسية تعبر عن الجانب النفسي من هذه الحالة وعن درجاتها الاولى، بينما تعبر كلمة الخصومة عن الجانب السلوكي من الحساسية وعن بلوغها درجة العداوة وإن كان استعمالها في العربية يتركز على الجانب العملي.

وتشمل مشكلة الحساسية والخصومة ما ربما يكون بين الدعاة لاسمح الله، وما يكون بينهم وبين خصوم الدعوة من الامة الذين تنطبق عليهم قاعدة (لانخاصم من يخاصمنا ولانعادي من يعادينا).

أسباب الحساسية والخصومة

ان نفس احدنا عالم من: عواطف الرغبة، والكراهية، والوهم والخيال… والعقل. وهي غرائز الفجور والتقوى التي جبلنا عليها، فالانسان معجون بطينة الالوان المختلفة والاضداد المتعادية والعمليات الشعورية واللاشعورية التي تجري داخلنا بين هذه العناصر متشعبة ومعقدة، في الناس وفي الانسان الواحد.. والحساسية او الكراهية للأشخاص والاشياء نتائج لقسم من هذه العمليات والمعادلات المتعددة الاسباب. ومع ذلك يمكن إرجاع اسباب الحساسية والكراهية الى الانواع التالية: نفسية، وفكرية ومزيجة، وحساسية بالواسطة.

  1. الاسباب النفسية وقد تكون اسباباً وهمية، ومثالها حالة الشخص المزاجي التشاؤمي المفرط في الحساسية الذي قد يستاء ويكره شخصاً أو شيئاً لسبب قد لايخطر على بال أحد، وقد لايخطر على بال صاحبه. ومثالها في النفس العادية حالة الحسد التي قد يكره صاحبها شخصاً بسبب نعمة معنوية او مادية انعمها الله عليه أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ويليها: حالة سوء الظن بالمسلمين والمؤمنين، وعدم النظر إلى ايجابياتهم وحبهم من أجلها، وعدم حملهم على الصحة وعلى الاحسن في اقوالهم وأفعالهم.. مما يجعل نظرته اليهم سلبية دائما او غالبا فيصاب بالحساسية والكراهية لبعضهم لأسباب وهمية. ويليها: حالة الحساسية والكراهية لشخص بسبب الخوف من منافسته ومزاحمته وضرره في شأن من شؤون دنياه.

    ويليها: حالة الذي يصاب بالحساسية والكراهية لشخص بسبب توهم أنه أساء اليه بقول او فعل، ولكنه لو تحقق من نسبة الأمر الى أخيه أو تحقق من قصده لما وجد منه إساءة.

    وقد تكون اسبابا حقيقية، ومثالها الحساسية والكراهية لشخص بسبب إساءة حقيقية صدرت عنه. وتتفاوت الإساءات.. ابتداء من كلمة عابرة، الى إساءات كبيرة تستهدف مكانة المساء اليه، أو حياته.

  2. الأسباب الفكرية ونقصد بها ما يعم الأسباب الفكرية المحضة والفكرية السياسية والعملية. والاختلافات الفكرية بهذا المعنى بين المسلمين قد تكون أساسية كبيرة، كالاختلاف في النظرة الى الاسلام نظاماً إلهياً للحياة، وفي وجوب العمل لإقامة نظام الاسلام، وفي النظرة الى القوى الكافرة المسيطرةعلى بلاد المسلمين، والنظرة الى عملائهم السياسيين والفكريين من حكام المسلمين والفئات التابعه لهم، ووجوب مقاومتهم.. الخ.

    وقد تكون خلافات فرعية كالاختلاف في اسلوب العمل لإقامة نظام الاسلام او في اسلوب مقاومة المستعمرين. أو في عمالة فئة أو اخلاصها، او في مواقف الحدية والمداراة والتقرب والتحالف من فئات من المسلمين. أو في أعلمية هذا المرجع أو ذاك. وقيادة هذا المرجع او ذاك وتبني زعامة هذا الزعيم المسلم او ذاك..أو حول خطة العمل واساليب العمل في أقليم او منطقة أو حول أسلوب العمل في مجال من المجالات او قضية من القضايا.. وقد تكون بين الدعاة وبين العاملين عموما في تفاصيل أخرى حول مسائل صغيرة أو أشخاص.. الخ.

    ان هذه الاختلافات الفكرية وان ترتبت عليها مواقف عملية لامبرر لأن تكون سبباً للحساسية والكراهية والخصومة ولكنها كثيرا ما تكون سببا لذلك بين الدعاة من جهة والمسلمين من جهة او بين الدعاة انفسهم لاسمح الله، فتتعدى كونها فروقاً فكرية ومواقف عملية الى حالة من الحساسية والخصومة اعاذنا الله تعالى.

  3. الأسباب المركبة: الفكرية النفسية او النفسية الفكرية. وقد عرفت ان الاختلافات الفكرية لاتتحول الى حساسية وخصومة إلا إذا أضيف اليها سبب نفسي بقدر قليل أوكثير، حتى أنه قد يغلب على الاختلاف الفكري فيكون الأصل، ويصبح السبب الفكري ثانوياً او هامشياً.

    وفي المقابل تقوم النفس إعاذنا الله بتلبيس الحساسية والخصومة ذات الاسباب النفسية الوهمية او الحقيقية اثوابا فكرية كي تبرر تصرفاتها العدائية للدعاة والمسلمين. وقد تجد النفس وهي تبحث عن أثواب لتلبسها لخصومة المسلمين فروقاً فكرية حقيقية وهامة مع من تكره. وقد تزيّن لصاحبها إظهار هذه الاسباب في قوله وعمله وإخفاء السبب الحقيقي ولكن الحقيقة تظهر في سلوكه ومواقفه الفاصلة. وقد تنجح النفس في خداع صاحبها وإقناعه بان السبب في الخصومة هو الثوب الفكرى الذي عثرت عليه وليس السبب النفسي، فيكون كالزوج المخدوع.

    فاق أحد الطلبة زميله في الدراسة وتقدم بجده وموهبته حتى صار من العلماء المرموقين بينما بقي زميله متخلفاً مغموراً وكان الناجح يلحظ على زميله الحساسية والاستياء العميق منه كلما جمعه به مجلس او رآه. وذات يوم سأله على انفراد عن سبب حساسيته منه فأجابه: أقول لك بصراحة: إني أكره وجودك.

    إن هذا الذي يعترف بالسبب الحقيقي لحساسيته يبقى أقل سوءً من الذي يخدع الآخرين ويخدع نفسه.

  4. الحساسية والخصومة بالواسطة: ويكثر ذلك بين المسلمين أتباع الزعماء السياسين غير الاسلاميين، أو أتباع المرجعيات والقادة الاسلاميين، أو اتباع علماء المسلمين على مستوى الإقليم أو المناطق أو المحلات، أو اتباع المؤسسات والأعمال الإصلاحية كما يوجد بين أعضاء التنظيمات الإسلامية او بين أهل الأقاليم والمناطق والمحلات والخطوط من تنظيم واحد.. الخ.

    فإن هذه الفئات من المسلمين والعاملين في المجال الإصلاحي والتغييرى يقع بينهم التنافس، أو توجد بين قياداتهم الحساسية فتسري الى الاعضاء والاتباع بالواسطة، او توجد بين اعضاء عمل وقيادي في عمل آخر، او بين اشخاص من عملين..الخ وبقطع النظر عن موقف الاسلام من أصل الحساسية، فلامبرر للحساسية بين مسلمين لم يحصل بينهم احتكاك ولربما لم تحصل معرفة ولاذنب لهم الا انتماؤهم الى بعض الاعمال او الاشخاص معتقدين صحة عملهم واستقامة صاحبهم، او متصورين أن التعصب له ومعارضة ماعداه جزء من العمل للإسلام.

أنواع الحساسية والخصومة ودرجاتها

للحساسية والخصومه أنواع كثيرة ودرجات عديدة نذكر بعضها:

  1. فقد تكون فعلاً ابتدائياً من شخص لسبب من الأسباب المتقدمة. وقد تكون رد فعل على إساءة إليه صغيرة أو كبيرة بقدرها أو بأكبر منها. وفي بعض الحالات يصعب تمييز الفعل ورد الفعل لأن بدايات الفعل تكون صغيرة او غير ملموسة لدى أحد الطرفين أو كليهما أو تكون ضائعة بينهما خفية إلا على صاحبها.

    و أصحاب الحساسية والخصومة الإبتدائية ـ خاصةً عندما يكون الطرف المساء اليه طيّب النفس أو صاحب فضلٍ عليهم أوساذجاً أو ضعيفاً ـ يكونون في الغالب من أصحاب المزاج التشاؤمي المفرط، أوالمزاج العدواني على الناس،ويفرطون في كراهيتهم وخصومتهم، لأن الحالة المرضية السلبية او العدوانية فيهم تكون شديدة.

    ولانكاد نجد حالةً من الحساسية، الخصومة بفعل ابتدائي من طرف دون رد فعل من الطرف الآخر إلا في الحالات التالية:

  2. كما قد تكون الحساسيه والخصومة فعلاً نفسياً فقط أو فعلاً خارجيا، وكل منهما درجات وانواع منها أنواع معقدة وعجيبة قد لاتخطر على بال نفس سويّةٍ الا على بال شياطين الجن والانس في نزغهم وأفانينهم الخبيثة.

    فأدنى الدرجات النفسية ان لايرتاح المسلم لاخيه ويكرهه كرها قليلا في نفسه فقط، ولايمنع عنه خيراً ولايفعل له سوءً، بل قد يحب له الخير،ويدفع عنه الشر عندما يجب عليه.

    واشد الدرجات النفسية أن يكره المسلم أخاه حتى يكون وجوده عليه غمةً وكابوسا، مع انه لم يسئ أليه ولم يرد على حساسيته بفعل نفسي او خارجي كما مر في حالة الطالبين الزميلين حيث كانت إجابة المتدين المحسود لزميله أن بكى وقال له ما معناه: إني احب اسعادك ولو كان الله تعالى يرضى عني بقتل نفسي لتكون سعيداً لفعلت، ولكن ماذا اصنع؟

    وأدنى درجاتها الخصومة العملية ان يكره المسلم أخاه ولايمنع عنه خيرا ولايفعل له شرا ولكنه لايحب له الخير ولايدفع عنه الشر حتى لو وجب عليه.

    واشد درجاتها ان يكره المسلم اخاه حتى يصبح عقدة نفسه، وهاجس ذهنه، وتصبح خصومته قضيته الاولى في حياته، ثم لايدع أسلوبا ولالوناً من ألوان الأذى والكيد والإساءة يمكنه ان يفعله إلا فعله! وهي حالة من حالات تمكن الشيطان من الإمساك بزمام الانسان.

نظرةٌ في آثار الحساسية والخصومة

الحساسية والخصومة حالة مرضية خطيرة في النفس

”أياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب“

وقد تبدأ بتأثر نفسي صغير ثم تكون عملاً ـ قولاً او فعلاً ـ ثم تكبر وتتراكم حتى تكون في القلب ظلمات بعضها فوق بعض، وبين الإخوة في الاسلام والايمان اعمالاً عدوانية وصراعاً يفرح لها الشيطان واعداء الاسلام ويمقتها الله تعالى.

قال صدر المتألهين رحمه الله في تفسير قوله تعالى فِي قُلُوبِهِم مَّرَ‌ضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَ‌ضًا ۖ:

”اعلم انه كما ان للابدان صحةً ومرضاً وغذاءً ودواءً.. فكذلك للقلوب صحة ومرضٌ وغذاءٌ ودواءٌ.. وذلك لأن الصحة عبارة عن صفة توجب صدور الافعال عن موضوعها مستقيمة سليمة، والمرض صفة له توجب وقوع الأفعال عنه مختلة… واعلم ان الدنيا دار مرضى… ومرضى القلوب هاهنا أكثر من مرضى الابدان“

وكما أن لامراض الابدان تأثيرات متنوعة على صحة البدن وأفعاله كذلك لامراض القلوب تأثيرات متنوعة على صحة النفس وأفعالها.

وقد حدد حديث شريف تأثير الخصومة على صاحبها وعلى الناس بثلاثة أنواع خطيرة

”إياكم والخصومه فإنها: تشغل القلب، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن“.

  1. (تشغل القلب) وذلك لانها تشغل صاحبها بالتأثر النفسي والتأذي من اساءات الطرف الآخر، وبالتفكير في ردّ الإساءة او فعل الإساءة إليه. وهذا الانشغال يستهلك الكثير من طاقة ذهنه ووقته.

    ونلمس هذا التأثير بالمقارنة بين عمل شخصين احدهما ينشغل بالخصومة عن العمل الحقيقي والآخر ينشغل بعمله الحقيقي عن الخصومة، وبين عمل شخصٍ قبل انشغاله بالخصومة وبعد انشغاله بها: فالمعلم في مدرسته عندما يكون منسجما مع الادارة والزملاء والطلاب ومرتاحا في بيته ومحيطه: يتقن تدريس مادته، ويعتني بطلابه، وينجح في عمله،ويسهم في رفع مستوى المدرسة من زاويته وغيرها، لأنه يعيش عمله ويعطيه من ذهنه ووقته. اما اذا انشغل قلبه بالحساسية والخصومة فينخفض مستوى عيشه لعمله وينعدم إبداعه ويقل عطاؤه. وقد يفشل في الحد الادنى المطلوب منه. وكذلك الامر في العامل والفلاح والطبيب والإداري والمقاتل والسياسي والكاتب والزوج والطالب… الخ. وكذلك حالة الداعية عندما يكون صحيح القلب مقبلا بكله على عمله في مجال من مجالات الدعوة بنشاط وحيوية فهو يعطيه ذهنه ووقته فيحقق فيه النجاح والابداع، ويفتح الله على يديه لدعوته خيرا كثيرا، وعندما ينشغل قلبه بابتلاء من ابتلاءات الدنيا او يصيبه لاسمح الله شئ من مرض الحساسية والخصومة ينخفض عيشه للدعوة وعطاؤه لها ويكثر انشغاله بغيرما خلق له.

    إن نظرةً فاحصة في مجتمع ما الى القلوب المشغولة ترينا الطاقات الهائلة النفسية والفكرية والعملية والاوقات الكثيرة التي تضيعها الخصومة بين المسلمين ويخسرها العمل الحقيقي الذي يريده منهم الاسلام.

  2. (وتورث النفاق) فالنفاق حالة ازدواجية في الشخصية إما على مستوى العقيدة بان يظهر الشخص الايمان والاستقامة ويبطن الكفر والعداء للاسلام والمسلمين، واما على مستوى العمل والسلوك بأن يعتقد الشخص بعقيدة الاسلام ولكنه يظهر الالتزام بالاسلام والنصح للمؤمنين ويبطن الفسوق والغش. والنفاق درجات متعددة، فقد يبدأ صاحبه بأشد درجات النفاق الاعتقادي، وقد يبدأ بأدنى درجات النفاق العملي ويتفاقم الى أشد درجاته.. ثم الى درجات النفاق الاعتقادي حيث يسلب صاحبه العقيدة ويصبح عدوا للاسلام واهله! وقد ورد في السنة المطهرة قول رسول الله ﷺ

    ”مازاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنانفاق“

    كما ورد التحذير من عدة اعمال وصفات بعضها وصف بأنه نفاق، وبعضها بأنه يخشى على صاحبه من النفاق، وبعضها وصف بأنه يورث النفاق كالبخل والجبن والخصومة محل البحث. وتعبير ”تورث“ يعني انها تؤدي طبيعيا الى الازدواجية في الشخصية والنفاق.

    والسبب في هذه النتيجة الخطيره للخصومة:

    • أ. انها كما عرفت تشغل قلب صاحبها ووقته عن العمل الحقيقي.

    • ب. أنها تؤثرعلى صفاء النفس واعتدالها فتجعل فيها ظلاما يمنعها من التفاعل الحيوي في آفاق الاسلام. وتجعلها غير سوية في بعض تفاعلاتها ومشاعرها.

    • ج. أنها تؤثر على استقامة العقل وموضوعية التفكير فتأتي بعض نتائج التفكير خاطئة وذاتية، وقد تسري العدوى الى مجالات التفكير الاخرى اعاذنا الله تعالى. واذا اصبحت نفس الانسان غير سوية ولو في جانب، وعقله غير مستقيم ولو في جانب، واصبح ذهنه مشغولاً عن همّه الحقيقي بالحساسية والخصومة بكله أو بقسم منه، ووقته مشغولاً بكله او بقسم منه عن عمله الحقيقي، وهو يظهر الإستقامة النفسية والعقلية والإنشغال بالعمل الحقيقي النافع للاسلام والمسلمين.. فقد اختلف واقعه عن ظاهره ووقع في درجة من درجات النفاق!.

  3. (وتكسب الضغائن) وهذا هو الأثر الإجتماعي للحساسية والخصومة. والضغائن تسمية لحالة الكراهية والبغضاء عندما تصبح حادة مستحكمة بين المسلمين أعاذنا الله تعالى.

    والتعبير بـ (تكسب) خاصة، مضافاً الى كل فقرات النص، إلفات الى ان الربح المتوقع والنتيجة الحاصلة من الخصومة سلبيةُ دائماً كما هو مشاهد بالحس في أنفس المتخاصمين في العلاقات والأوضاع الإجتماعية، ولاتكون إيجابية ابداً كما يزين الشيطان لأصحابها.

الموقف الاسلامي

  1. أحْبِب المؤمنين والمسلمين يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ‌ إِلَيْهِمْ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ،

    ”والذى نفسي بيده لايؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها“

  2. واعمل للاسلام والمسلمين أَقِيمُوا الدِّينَ

    ”من أصبح لايهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم“

  3. ولاتظلم مسلما ولاتؤذه ولاتحقـّره

    ”الظلم الذي لا يدعه الله المداينةُ بين العباد“

    ”من حقر مؤمناً مسكيناً او غير مسكين لم يزل الله عزوجل له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه“.

  4. ولاتحسد مسلما أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ۖ

    ”إن الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب“

  5. وابحث عن ايجابيات المسلم ولايكن همك سلبياته

    ”لاتتبعوا عثرات المسلمين، فان من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثراته.. ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته“

    ”ومن عيّر مؤمناً بشيءٍ لم يمت حتى يرتكبه“

  6. واحمل قول أخيك وفعله على الأحسن اجْتَنِبُوا كَثِيرً‌ا مِّنَ الظَّنِّ

    ”ضع امر اخيك على احسنه حتى يأتيك مايغلبك منه ولاتظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءً وانت تجد لها في الخير محملاً“

  7. والسبب الأول للخصومة هو الكلام فاحفظ لسانك

    ”من لم يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه“

    ”لايعرف عبد حقيقة الايمان حتى يخزن من لسانه“

  8. واذا اردت ان تتكلم فامامك: الاسوء، والسيّء، والحسن، والاحسن. فاختر منها ما امرك الله تعالى به وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ

  9. عندما يساء اليك، لاتنجرَّ الى الحساسية والخصومة برد الفعل واكظم غيظك

    ”مِن احبِ السبيل الى الله جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردها بصبر“

  10. وارتفع درجة لتكون من أهل الحكمة فتحسن الى من اساء اليك وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُ‌وا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾

    ”الا ادلكم على خير خلائق الدنيا والآخرة: تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك وتحسن إلى من أساء إليك“

إن هذه الأحكام والمفاهيم الاسلامية المتكاملة تشكل مفردات الموقف الاسلامي المتكامل وهي كافية لمن يتقي الله ويأخذ بها للوقاية من مرض الحساسية والخصومة ومعالجته.

ومضافاً الى ذلك: ينبغي للداعية أن يسأل نفسه: ماذا أريد من فعل الحساسية والخصومة للمسلمين او رد الفعل عليها؟؟

اذا كنت اريد بها إثبات حق، فإنها تضعف حقي. واذا اردت بها تصحيح خطأ فإنها تضعف قدرتي على تصحيح الخطأ. واذا اردت بها إزالة عقبة او دفع ضرر عن الدعوة فهي لاتزيل ذلك بل تزيده. فما شغلي إذن بضرر لانفع فيه؟!

وفوق ذلك: ينبغي للداعية ان يكون في غنى عن إقناع نفسه بالاحكام والمفاهيم الاسلامية المتعلقة بالحساسية والخصومة، وفي غنى عن مناقشة نفسه بفائدة هذا السلوك المرضي لأنه مشغول عن الحساسية مع الناس وخصومتهم بما امره من دعوتهم الى الاسلام.

ان مركز اهتمام الداعية: هو عمله الدعوتي في تقريب المسلمين من الاسلام، وتحقيق تقدم للدعوة، وتحقيق مصلحة للمسلمين فهذه الاعمال هي واجبه وهدفه وهوايته،وهي التي يعيشها في عقله ونفسه، في ليله ونهاره، وحله وترحاله، وراحته وتعبه، وسروره وألمه.. لايشغل ذهنه بغيرها الا لما وجب من شؤونه الشخصية، وما تيسر من نصيبه من الدنيا وما عرض عليه من آنات ضعف سرعان ما يثوب منها الى آفاق الدعوة.

وشعار الداعية: هو العمل الحقيقي فقط، فهو الشعار الذي يحمله في حياته ويشق به طريقه ويقطع به عمره ويدعو إليه غيره والعمل الحقيقي هو العمل في هذه المجالات الثلاثة الرحبة، وما لزم لشأنه الشخصي والحساسية والخصومة خارجة عن هذا الشعار، لانها ليست عملاً حقيقيا بل ملهاة عن العمل الحقيقي، واُغلالٌ للذهن، ومرضٌ للقلب، ومضيعةٌ للطاقه.. وإن زينتها النفس الامارة والعدو المبين.

ومقياس الداعيه للاعمال والاشخاص: هو مدى علاقتها بالعمل الحقيقي بعداً وقرباً إيجاباً وسلباً، وليس علاقتها بشخصه، فما كان قريباً من العمل الحقيقي او نافعاً فيه فهو معه وهو له وان كان ثقيلاً عليه وضاراً بشخصه. وما كان بعيداً عن العمل الحقيقي ضاراً به عمل لتقريبه وإزالة ضرره او تخفيفه وإن كان عمله هذا ثقيلاً عليه ضاراً بشخصه.

فانطلقوا ايها الدعاة الميامين وتقربوا الى رب العالمين بعمل الدعوة، واحفظوا مركز همكم ولاتنسوه. وحافظوا على شعاركم ولا تتراجعوا عنه. وقيسوا الأمور بمقياسكم ولاتستبدلوه. وانفضوا عن أنفسكم اغلال الحساسيات وتضييع الأوقات في الشحناء مع القريب والبعيد.. فبذلك نكون صدراً رحباً يحب الامة ويسعها وطليعةً جديدةً تحبها الامة وتستجيب لدعوتها لامحالة.

صعوبة تطبيق الموقف الاسلامي

ان يتعود الداعية على مداراة الناس ولا يسبب لهم ما يوجب الحساسية والخصومة

وان لايرد على الحساسية والخصومة اذا تكونت تجاهه بفعل ولاقول.

وان يزيل من ذهنه التأثر والتفكير بالحساسية والخصومة.. ويجعل ذهنه مشغولاً دائما بالعمل الحقيقي للدعوة.. إن وصول الداعية الى هذا المستوى الايماني والعملي الرفيع صعب بحكم ضعف النفس البشرية.. ورواسبها.. وما على الداعية إلا أن يستمد العون من العلي القدير عزوجل على هذه الصعوبة ويجاهد نفسه في هذه المسألة الاساسية من شخصيته، فيقوم أولاً بانتفاضةٍ ومحاسبةٍ كلية لنفسه، ثم يراقبها ويحاسبها في التطبيق والممارسة حتى يتم الله عليه نعمته ويضع عنه وزره الذي أنقض ظهره.. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُ‌وا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾.

ومن الطبيعي ان يتفاوت الدعاة حفظهم الله في القابلية لهذا المرض وفي القدرة على الشفاء منه، تبعاً للتكوين النفسي والتربية، والوعي، والجد في جهاد النفس.. وما علينا إلا أن نأخذ بيد إخواننا الدعاة وأيدي امتنا ونشجعهم على مواصلة الصعود درجةً درجة، حتى يبلغ اكبر عددمنهم المستوى الكامل للموقف والنظرية الاسلامية.. ثم ليصبح ذلك تياراً وطابعاً حضارياً للمسلمين.

قال صدر المتألهين الشيرازي رحمه الله

”فلا دواء لامراض القلوب الا معجون يعجن من حلاوة العلم ومرارة الصبر“

وقال الشهيد السعيد الشيخ عارف رحمه الله

”ليس بمقدور كل انسان ان يواكب الدعوة في سيرها وارتفاعها، ونقول ذلك لتجربة عشناها وستعيشها الدعوة في طريقها الشائك، فالذي يسير مع الدعوة ويستمر في السير يكون من نوعها في الاخلاص لله والصدق في الجهاد والسعي المتواصل الواعي من أجل نوال مرضاته.

فالداعية الذي يجعل مصلحة الاسلام فوق جميع المصالح والاعتبارات ويعمل بنفسية عالية مترفعة عن كل شعور أناني ضيق مهما كان مصدره، ومتصلاً بالله في هدفه وتصرفاته، وحريصاً على ان يدعو الناس بسلوكه قبل لسانه وقلبه.. إن داعية ً اسلاميا كهذا لهو الشخصيه الاسلاميه التي ستساهم بإذن الله في صنع المجتمع الاسلامي المرتقب. ومن هنا يتضح ان المقياس في تشخيص من يصلح من الدعاة لبلوغ تلك المنزلة الرفيعة ـ منزلة الشخصية الاسلامية ـ هو مقياس عملي محسوس يمكن للدعوة والداعية ان يلاحظاه في سلوك الداعية القويم“

ومما ينفع في التغلب على صعوبة التطبيق التعرف على جوانب هذه الصعوبه وهي ترجع الى امرين: ضعف النفس، ونقص الوعي:

  1. فصعوبة الامتناع عن فعل الحساسية والخصومة ورد الفعل عليها تكون اعتيادية محمولة في حالة الضعف الاعتيادي الطبيعي للنفس، وتزداد الصعوبة كلما ازداد ضعف النفس بسبب الرواسب الدافعه الى ذلك،او بسبب التكوين الانفعالي الحساس للنفس، او بسبب شدة الخصومة الموجهة ضده.. الخ. وأشدّ ما تكون الصعوبة: في الامتناع عن رد الفعل عندما تكون الحساسية والخصومة الموجهة ضد الداعية شديدة ومستمرة وبدون سبب منه، حيث تحتاج الى أمرّ انواع الصبر وضبط النفس.. واعلاه قيمةً عند الله تعالى واحلاه عاقبة.

  2. ونقص الوعي والإدراك إما ان يكون في اصل الموقف والنظريه الاسلامية وإما ان يكون في تطبيقاتها:

    • أ. فقد يقال: إن قاعدة (دارِالمسلمين ولاتفعل ما يوجب حساسيتهم وخصومتهم لك) قاعدة اسلامية، ولكن امزجة الناس وأنفسهم مختلفه، ومهما حرص الداعية على مداراتهم فستحصل ضده حساسيات وخصومات. اما قاعدة (لاترد على الحساسية والخصومة وازل تأثرك بها والتفكير فيها من ذهنك) فهي مطلب مثالي لا ينسجم مع واقعية الاسلام في احكامه ومفاهيمه لان تأثر الإنسان بالإساءة إليه امر طبيعي ولم يحرمه الله تعالى ما لم يؤد الى فعل حرام، كما شرع تعالى الانتصار للنفس والدفاع عن الكرامة ورد الاعتداء والاذى والسيئة بمثلها، وأجاز للمظلوم غيبة الظالم.. الخ. وعلى هذا يصح ان نقول: ان المطلوب اسلاميا ان لايسيء المسلم الى المسلمين ولايخرجه تأثره منهم عن حدود الاحكام الشرعية وان لايرد على الخصومة باكثر منها.. أما ان نتصور شخصية الداعية والمجتمع بصورة خالية من الحساسيات البشرية والخصومات وردود الفعل، فهذه مثالية تخالف واقع المسلمين المؤمنين في التاريخ والحاضر.و الجواب عن ذلك:

      اولا: ان الداعيه غير مسؤول عن الحساسية والخصومة التي تحصل بدون سبب منه او بسبب عمله الدعوتي.. الامسؤوليته عن معالجة هذه الحالة في اصحابها.

      ثانيا: ان الموقف الاسلامي او النظرية الاسلامية في مسألة الحساسية والخصومة تتكون من مستويين: مستوى الحد الأدنى وهو ما ذكر من عدم الإساءة وعدم حرمة الاستياء مالم يؤد الى حرام وجواز رد الاذى بالمثل. والمستوى الاعلى الذي ينبغي للمسلم وللداعية خاصة وهو ما ذكرنا من عدم الاساءة وعدم الرد، وازالة الاستياء والتفكير بالحساسية والخصومة من الذهن..ومن واقعية الاسلام ورحمته تعالى وعلمه بضعف النفس البشرية والمجتمع البشري ان يفرض علينا الحد الادنى الواجب ويوجهنا ويحثنا لبلوغ الحد الاعلى المطلوب.

      ان توجيه المسلم بحرفية جواز التأثر النفسي ورد الاساءة بالمثل بشكل نظري مفصول عما يؤدي اليه في النفس والناس وعما يترتب عليه من احكام شرعية اخرى، نقصٌ في الوعي الفقهي للحاله فالتأثر النفسي اذا اصبح حالة معمقة في النفس وصفة في شخصية الإنسان تؤثر سلبياً على ذهنه وعمله واحكامه على الامور.. كيف يبقى جائزا؟ ورد الا يذاء بالمثل كيف يطبقه المسلم في حالة البهتان والإفتراء عليه واشتغال الخصم بالاساءة المستمرة والوقيعة به؟ بل كيف يطبقه في مورد رد الإساءة بكلمة او فعل محددين ويبقي ضمن (الرد بالمثل) اذا لم يكن تعود على العفو نفسيا ومارسه فعليا؟

      وكثيرا مانرى ان التمسك بجواز التأثر النفسي ورد الأذى مع نقص الادراك للحالة، ونقص الادراك للمستوى العالي المطلوب من النظرية.. يؤدي بصاحبه الى تحويل الحكم الشرعي الى مفهوم غير اسلامي كالمفهوم العامي والعشائري للدفع عن الكرامة، ويجعل ذلك ذريعة للتمادي في الحقد النفسي ورد الخصومة باضعافها.. الخ. وهو في كل ذلك يتصور او يصور لنفسه او يصور له من قبل ناقصي الادراك انه مستند الى حكم شرعي!

      ثالثا: ان الواقع الاجتماعي التاريخي والحاضر للمسلمين والمؤمنين ان كثيرا منهم دون الحد الادنى المفروض من الله تعالى ومنهم من هم في مستوى الحد المفروض، ومنهم من هم في المستوى الكامل للنظرية. فكم في مجتمعات المسلمين الماضي والحاضر من الابرار الذين جعل الاسلام احدهم لايسئ الى المسلمين، ولايرد على اساءتهم ويزيل من نفسه التأثرمن مسيئهم ويستغفر له ويحسن اليه. والدعاة الى الاسلام اولى الناس بتحقيق هذا المستوى في شخصياتهم، وإن كلف ذلك احدنا ان يجاهد نفسه سنين ويرفع من مستواه درجة درجة.

    • ب. وقد يقال: ان تطبيق الموقف الاسلامي هذا على المسلمين المؤيدين للنظام الاسلامي والعمل الاسلامي او الذين لايعادونهما امر مقبول.. ولكن كيف نطبقه على خصوم الاسلام كالمعارضين للنظام الاسلامي من مسلمي ايران والمعادين للاعمال الاسلامية ودعاة الاسلام في بلاد المسلمين الاخرى.. فهؤلاء المنحرفون والضّلال والسيئون لايختلف عملهم كثيرا عن عمل اعداء الاسلام بل قد يفوقه في بعض المناطق والحالات فلماذا نعامل الخصوم بقاعدة: لانخاصم من يخاصمنا ولا نعادي من يعادينا.. ونعامل الاعداء بقاعدة: واعدوا لهم، ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه.. والجواب: ان الموقف الاسلامي القائم على التفريق في التعامل بين الخصوم والاعداء (في مصطلحنا الدعوتي) مرتكز على الاساس الاسلامي (إقامة الحجة) وفي بعض الحالات على اساس التدرج في إعداد القوة.

      فالمسلمون غير الملحقين بالكفار لعمالتهم السياسية والفكرية لابد ان تبلغهم الدعوة وتقام عليهم الحجة، وذلك لايتم بمجرد وجود تنظيم صغير بالنسبة لعددهم ووجود اعمال ونشاطات قليلة في توعيتهم بل لابد من حركة ٍ كاملةٍ في المجتمع من داخله او خارجه يتم بها التبليغ والحجة والتمايز والتفاضل بين من يستجيب للدعوة وبين من يعاديها. ولايتم ذلك حتى تكون حركة الاسلام في المرحلة السياسية في ذلك المجتمع. اما قبل مرحلة المفاضلة هذه فلايصح ان نجري عليهم حكم اعداء الاسلام لأن اسباب معارضتهم للإسلام وخصومتهم للدعوة والدعاة متعددة، ونظرتهم الى الاسلام ودعوته متغيره.. وخلال مسيرة الدعوة وحدوث الحركة في المجتمع فان اكثرهم ان لم يكن جميعهم سيكون بالنتيجة مع الدعوة ومع الاسلام كما رأينا ذلك في الماضي وفي الحاضر في مسيرة الدعوة في العراق وفي مسيرة الدعوة والثورة في ايران.

    • ج. وأما نقص الوعي في تطبيق الموقف الاسلامي فينشأ من تصور: ان فعل الخصومة او رد الفعل عليها عمل دعوتي. او عمل ينفع الدعوة. او من نقص التمييز لدى الداعية بين ذاته وبين الدعوة. وينبغي للدعاة حفظهم الله ان يتنبهوا الى اختلاط الحق بالباطل والخطأ بالصواب في هذه الموارد الثلاثه. فان مما تميزت به دعوتنا من اول مسيرتها المظفرة الحرص على الوضوح والتحديد والتمييز، وعدم قبول الغموض والميوعة والخلط في: الافكار، والاعمال، والاشخاص.

      ان إعادة المداليل الى الالفاظ، وإعادة الامور الى حدودها وواقعها من عوامل تغيير الأمة بالاسلام، فلايصح ان نخلط بين الاعمال الحقيقية اعمال الدعوة وبين الاعمال الثانوية والشكلية والوهمية، او بين ما ينفع عمل الدعوة ومالاينفعه او نحسب النفع الآني المحدود مكسبا للدعوة، وهو في المدى المنظور او البعيد ضرر على الدعوة. او نخلط بين مصلحة الداعية الشخصية ومصلحة الدعوة، وبين ما هو موجه ضد الداعية وما هو موجه ضد الدعوة.. الخ. والتنبه الى هذه الامور يتوقف على وعي الدعاة واستيعابهم لفكر الدعوة وخطها(والذين آمنوا يهديهم ربهم بأيمانهم)

اضواء منيرة على الموقف الاسلامي

النصوص الاسلامية من آيات كتاب الله تعالى واحاديث رسوله ﷺ انوار هادية تضيء أنفس الدعاة وتوضح لهم الامور وتبين لهم الطريق، وتزيدهم ايمانا الى ايمانهم وصبراً وتحملاً ورضىً بطريق الدعوة مهما كثرت مصاعبه. وكذلك قصص الدعاة القدوة الذين في قصصهم عبرة رضي الله عنهم وأرضاهم وحفظ الموجودين منهم.

وفيما يلي نقدم بعض الآيات والاحاديث والقصص النافعة في البحث:

(١)

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُ‌وا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾

وَالَّذِينَ صَبَرُ‌وا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَ‌بِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ سِرًّ‌ا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَ‌ءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ‌ ﴿٢٢﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّ‌يَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْ‌تُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‌ ﴿٢٤﴾

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ انَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿٥٣﴾

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٠٠﴾

(٢)

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ‌ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ وَاصْبِرْ‌ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‌ ﴿١٧﴾

(٣)

وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِ‌بِّيُّونَ كَثِيرٌ‌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِ‌ينَ ﴿١٤٦﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَ‌بَّنَا اغْفِرْ‌ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَ‌افَنَا فِي أَمْرِ‌نَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْ‌نَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِ‌ينَ ﴿١٤٧﴾ فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَ‌ةِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٤٨﴾

(٤)

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِ‌ينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَ‌كُمْ ﴿٣١﴾

(٥)

سئل رسول الله ﷺ: من اشد الناس بلاءً في الدنيا؟

فقال: النبيون ثم الأمثل فالأمثل ويبتلى المؤمن على قدر ايمانه وحسن اعماله فمن صح ايمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف ايمانه وضعف عمله قل بلاؤه.

”اخذ الله ميثاق المؤمن على بلايا أربع… لايخلو منهن المؤمن اوواحدة منهن: مؤمن يحسد، وهي اشدهن عليه. ومنافق يقفو اثره. او عدو يجاهده. اوشيطان يغويه“.

”ما كان ولايكون الى ان تقوم الساعة مؤمن الا وله جار يؤذيه… ولو ان مؤمناً في جزيرة من جزائر البحر لأبتعث الله له من يؤذيه“.

(٦)

”ما كاد جبرائيل يأتيني الا قال: يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم“.

”لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء والجدل وان كان محقا“.

”ما ضل قوم بعد هدى الاأوتوا الجدل“.

”ذروا المراء فإنه: لاتفهم حكمته، ولاتؤمن فتنته“.

”إن أبغض الرجال الألدَّ الخَصِم“.

”من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط من الله حتى ينزع“.

”من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة. ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في مربض الجنة“.

(٧)

”أقرب ما يكون العبد الى الكفر ان يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوماً ما… ومن عير مؤمنابشيء لم يمت حتى يرتكبه“.

”من بهت مؤمنا بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال“.

”كفى بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وان يؤذي جليسه بما لايعنيه“.

(٨)

”اوحى الله الى بعض أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي لاامحقك فيمن امحق وارض بي منتصراً فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك“.

”ان الرجل ليغضب فما يرضى ابداً حتى.. يدخل النار َ فأي رجل غضب وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانه سيذهب عنه رجس الشيطان“.

”واى رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فان الرحم اذا مست سكنت“.

(٩)

”ان كان في شيء شؤم ففي اللسان“

قال رسول الله ﷺ لرجل أتاه: الاادلك على امر يدخلك الله به الجنة؟

قال بلى يارسول الله.

قال: أنِل مما انالك الله.

قال: فان كنت أحوج ممن انيل؟

قال: انصر المظلوم.

قال: فان كنت اضعف ممن انصره؟

قال: فاصنع للاخرق ”أي أشر عليه“

قال فإن كنت اخرق ممن اصنع له؟

قال: فاصمت لسانك الاّمن خير.. اما يسرك ان تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك الى الجنة؟!

في حكمة آل داود: ينبغي للعاقل ان يكون عارفا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه.

(١٠)

صدقة يحبها الله تعالى: اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا وتقارب بينهم اذا تباعدوا.

(١١)

التودد الى الناس نصف العقل.

(١٢)

من كتاب لامير المؤمنين علي عليه السلام الى عبدالله بن عباس رضي الله عنه وكان يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله ﷺ كانتفاعي بهذا الكلام:

”اما بعد، فإن المرء ليفرح بالشيء الذي لم يكن ليفوته، ويحزن على الشيء الذي لم يكن ليصيبه. فلايكن افضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة اوشفاء غيظ.. ولكن إطفاءَ باطلٍ او إحياء حق. وليكن سرورك بما قدمت،واسفك على ما خلفت وهمك فيما بعد الموت“

(١٣)

عن جعفر بن عيسى قال:

”كنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام وعنده يونس بن عبد الرحمان اذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة، فأومى أبو الحسن الى يونس: ادخل البيت فاذا بيت مسدل عليه ستر، واياك ان تتحرك حتى يؤذن لك، فدخل القوم وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس وأبو الحسن مطرق حتى لما أكثروا وقاموا فودعوا وخرجوا.. فأذن ليونس فخرج باكيا.

فقال: جعلني الله فداك اني أحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي..

فقال له أبو الحسن: يايونس وما عليك مما يقولون اذا كان امامك عنك راضيا. يا يونس حدث الناس بما يعرفون واتركهم مما لايعرفون. يا يونس وما عليك لو كان في يدك درة وقال الناس: حصاة، هل يضرك ذلك شيئا، ولو كان في يدك حصاة وقال الناس درة، هل ينفعك ذلك شيئا؟

فقال لا.

قال ابو الحسن: هكذا انت اذا كنت على الصواب لم يضرك ما قال الناس.

فاستبشر يونس وقال ما معناه: يامولاى فاشهد أن كل من كان لله فيه نصيب فهو مني في حل.“

ويونس بن عبدالرحمان رضي الله عنه وأرضاه كان من كبار المجاهدين أولي الوعي والبصيرة، وكان ارسله الامام عليه السلام الى البصرة لتصحيح بعض الاخطاء والانحرافات ويبدو أنه حملهم أكثر من ادراكهم.

(١٤)

كان الشهيد السعيد أبو عصام رضوان الله عليه قدوة في حمل هم الدعوة والترفع عن الحساسية والخصومة. رأى يوما احد الدعاة في غاية الاستياء والتأثر. وكان ذلك في عام ١٣٨٩ هجري المصادف ١٩٦٩م أثناء الهجمة الشرسة والتي قامت بها سلطة البعثيين العميلة ضد المرجعية والحوزة والامة، فسأله عن سبب استيائه فأجاب أنه غاضب لتصرفات بعض الاشخاص من اوساط الحوزة والسياسيين وعاود أبو عصام السؤال: ـ حسنا لماذا أنت مستاء فاجابه الداعية بانفعال: ـ اما رأيت، اما سمعت كيف يتصرف هؤلاء ضد مصلحة الاسلام؟. فقال أبو عصام: نعم انهم يتصرفون كذلك، وهذا يستوجب ان نفكر ونعمل. ولكن أخبرني لماذا أنت مستاء، اسألك عن السبب؟ وظل يعيد عليه السؤال حتى وصل مع الداعية الى أنه لاموجب لاستمرار التأثر والاستياء وان هذه المشاكل طبيعية في طريق الدعوة ويجب أن ندرسها كموضوعات لاتخاذ الموقف منها.

وبهذه الذهنية العالية كان رحمه الله يتعامل مع الاساءات والمصاعب في طريق الدعوة فقد لاقت الدعوة في الهزة الاولى والثانية التي تعرضت لها القيادة وفي مسيرتها المظفرة الكثير من ذلك، وكانت الصعاب في نظره مواضيع للدراسة والعمل وانماء مسيرة الدعوة، اما الاساءة والخصومة التي كانت تظهر نحوه ونحو اخوانه فلا تؤثر في نفسه أو يزول تأثيرها بسرعة ويعمل لمعالجتها في أصحابها كي لاتتحول الى مواقف ضارة بالدعوة أو تسبب ابتعاد أصحابها عن العمل الاسلامي..

كان يهتم اهتماماً حقيقياً بالذين تركوا الدعوة في الهزة الاولى والثانية وبعدهما، كي ينطلقوا في الاعمال الاسلاميه الاصلاحية التي يرغبون بها ويعمل لإنجاحهم، وينطلق في ذلك من منطلق الدعوة بضرورة القيام بأعمال اصلاحية متعددة في الامة نقوم بها بقطع النظر عن العناوين والاشخاص فكان رحمة الله عليه يلتقي معهم ويشجعهم ويتدارس معهم اعمالهم، ويوجه الدعاة الى تبنيها وانجاحها وتطويرها، حتى ان الأعمال الاصلاحية المختلفه، في المرجعية والحوزة والامة قامت بجهود الدعاة بتضحية واخلاص عاليين دون أن يعرف الدعاة مواقف بعض أصحابها من الدعوة ودون أن يؤثر ذلك على من يعرف منهم، حتى اختلط الامر على السلطة والامة بين الدعاة وغيرهم وبين قيادة الدعوة والمرجعية والواجهات والشخصيات.

وبالرغم من حرصه الشديد رحمه الله على خط الدعوة التغييري وحدّيته المعروفة في ذلك فقد كان يعالج التعارض عندما يحدث بين العمل الاصلاحي كما يريده صاحبه وكما تريده الدعوة بتثبيت خط الدعوة وبالتغاضي والتسامح وتجاوز الذات مع الاصلاحيين.

فهو من ناحية مثلا يكتب (كيف تكون المصلحة الخاصة خطرا على الدعوة) لمعالجة حالة تعارض بين بعض الاصلاحيين والدعوة ومن ناحية يؤكد على الدعاة بضرورة التحمل ونسيان الذات والاستمرار في انجاح الاعمال.

ومن ناحية يتمسك بموقف الدعوة في عدم المشاركة بأعمال سياسية خاطئة، ومن ناحية ثانية، يؤكدعلى موقف الدعوة بالتضامن لمواجهة النتائج السلبية التي تقع على أصحابها وعلى الامة.

ومن ناحية يكتب موقف الدعوة من المرجعية بعد وفاة السيدالحكيم قدس سره والذي يميز بين أهلية الفتوى وأهلية القيادةفي المرجع فيترك امر التقليد في الفتوى للدعاة ويعلن عدم تبني الدعوة لقيادة مرجع معين حتى يتبين ذلك من عمله في الامة.

ومن ناحية ثانية يهتم بانجاح المرجعية وتطوير تصديها لقيادة الامة.

لقد استطاع رحمه الله باهتمامه الدائم بالعمل الحقيقي للدعوة وسموه عن الحساسية والخصومة أن يفرض هذا الجو في تعامله حتى على من يكرهه ويسيء اليه، وان يفتح للدعوة مجالات متعددة ويدفع بالاعمال الاصلاحية وعمل الدعوة خطوات الى الامام. فاذا دخل ابو عصام الى مجلس في بغداد أو النجف أو زار أحدهم أو التقى به في الطريق أيا كان عنوان ذلك الشخص وموقعه.. فالحديث حديث العمل ولامجال لغيره لانه لايوجد في ذهن الشهيد السعيد. سوى هم العمل الحقيقي.

(١٥)

رأت الدعوة أن ينتقل الشهيد الشيخ عارف رحمه الله من النجف الى بغداد، وبدأ يمارس عمله العام باعتباره امام مسجد وعالم منطقة صغيرة. وفي سنوات قليلة توسعت أعماله في الامة واصبح من العلماء المؤثرين المرموقين في بغداد والعراق على رغم الصعوبات والعراقيل التي كانت في طريق عمله.

لقد كان سبب نجاحه في الامة حمله الدائم لهم الدعوة الاسلامية وترفعه عن الحساسية والخصومة التي لاقى منها الكثير من القريبين والبعيدين.

فقد كان من صفاته رحمه الله تحمل الاساءة وكظم الغيظ والدأب في العمل.

كان بعضهم يؤلب عليه التجار الذين يمدون اعماله بالحقوق الشرعية والتبرعات باسلوب خبيث، فيبدأ بمدح نشاطه واعماله ثم يهمس ناصحا اياهم بالتحفظ معه بحجة انه حزبي. كما يؤلب عليه المتصلين بالمرجعية باساليب اخرى. وكان الشيخ عارف رحمه الله يقابل ذلك بالتغاضي ويستمر في التعاون معه وكأن شيئا لم يكن.

وقام احد الاخوة غفرالله له بمحاولة فصل بعض خطوط الدعوة عن المركز، ولم يعد يطع مسؤوله الشيخ عارف رحمه الله وقام بحملة للنيل من الشهيد السعيد، واطلع بعضهم على الامر فقام بتقريب الاخ صاحب المحاولة وتركيز مكانته الاجتماعية في مقابل الشيخ عارف وقد قابل ذلك رحمه الله بالصمت وكظم الغيظ، وحينما وقع الخطر من السلطة على الاخ صاحب المحاولة بادر الى مساعدته وتخليصه من أيدي الظالمين.

(١٦)

تعرضت الدعوة في أحد الاقاليم الى محاولة من بعض الدعاة غفرالله لهم للاستئثار وفرض اتجاه عملي وسياسي خاطئ على مسيرة الدعوة. وقد جرت بينهم وبين بعض المجاهدين مناقشات حادة حول ذلك تسبب في حدوث حالة من الحساسية تحولت لدى البعض الى خصومة أعاذنا الله.

وفي لقاء أحد المجاهدين مع أحد قادة الدعوة سأله القيادي عن السبب في أسلوب المناقشات الحادة والخصومة الذي استعمله المجاهدون مع اخوانهم فشرح له المجاهد أفكارهم وتصرفاتهم.

قال القيادي: نحن لاننجر الى الخصومة مع أحد ولاننشغل عن عمل الدعوة الحقيقي بعمل آخر.

قال المجاهد: ان اخواننا مصممون على فرض اتجاههم الخاطيء على الدعوة ويستغلون طيبة بعض الدعاة وهذا خطر على الدعوة وحرف لمسيرتها ويجب ان نعمل لوضع حد لهذا الخطر والانحراف.

قال القيادي: واذا انشغلتم بهم وانشغلوا بكم تضعون حدا للانحراف؟

سأله المجاهد: كيف نضع له حدا اذن؟

أجاب القيادي: ما داموا أقوى منكم اجتماعيا وماليا ويستغلون نقاء الدعاة فالمشكلة واقعة وتحتاج الى وقت وعمل حقيقي منكم حتى تزول.

قال المجاهد: نحن نعرف ان المشكلة واقعة ولكنا قدرنا ان موقفنا الحدي منها يقرب حلها ويجعلنا نتغلب عليها بدل مدة قد تطول سنة مثلا في مدى…

وقبل ان يكمل المجاهد كلامه قال له القيادى: وفي مدى سنتين!

إن الانشغال بالحساسية والخصومة وقال فلان وأجاب فلان، وجاء فلان وذهب فلان.. لا يصحح خطأ ولا يدفع ضرراً عن الدعوة.