رسالة شهيد

بقلم الشهيد السعيد السيد حسين جلوخان نشرت في ربيع الثاني ١٣٩٨ هجري (جرى عليها بعض التعديلات)

سلام الله عليكم ايها الاخوة ورحمة الله وبركاته.

ابعث اليكم رسالتى الاخيرة، موشحة بالدعاء من نفس مطمئنة بخواتيم اعمالها، مودعة الدنيا لاعن يأس، ولابداعي التخفف من الاعباء، ولكن لان الظالمين يريدون ان يحتكروا الحياة، يريدونها خالية من اصوات الحق المنبعثة من نفوس دعاة الله. أكتب رسالتى هذه من زنزانتي الضيقة:

حصلت على قلم وورقة من سجان رق قلبه من شدة وقع قرار السلطة على نفسه، وكأنه لايتوقع ان ينفذ حكم الاعدام على هذا المؤمن الهادئ الوادع. فقد سمع بانه سينفذ حكم الاعدام صباح الغد علي وعلى مجموعة من الاخوان. كان وقع القرار مفاجئا لي فقد كان مستقرا في ذهني ان حكم الاعدام كان تهديدا للعاملين مجرد تهديد ارهابي اما وانه سينفذ الحكم فمعنى ذلك ان الاستعمار ينظر الى خطورة عملنا الاسلامي نظرة جدية اكثر مما يسمح به واقع العمل الحالي.كان وقع القرار المفاجاة مهدئا للاعصاب فقد احسست ان رائحة الجنة أصبحت قريبة منى انها ساعات سعيدة ايها الاخوة نعيشها في الحياة الدنيا بأجواء استقبال حياة الآخرة. وما هي الاسويعات ونكون احياء مرة اخرى ولكن عند ربنا نرزق. اعتذر السجان بعيون تغطيها سحابة خفيفة من الدمع وبنفس يشوبها الندم لقسوته في معاملتنا ولاشتراكه بما امر به من تعذيب واذى للمعتقلين وقال: ”انا عبد مأمور، ارجو ان تسامحني، قلت: بمقدار ما يتعلق الامر بي فاني ارجو الله ان يسامحك، ولكنك يد الجلاد التي تحمل السوط وتلسع اجساد المؤمنين وتسخر القوة التي اعطاكها الله لتعذب وتوذي المعتقلين بشتى فنون التعذيب، انك واحد من زمرة ظالمة تأتمرون بامر ضابط المعتقل تنفذون اوامر اجهزة التسلط والظلم العليا. ان طاعتك للمخلوق في معصية الخالق تحتاج الى توبة الى هرب من دائرة السلطة الارهابية ومن زمرة المعذبين المتلذذين بامتهان كرامة الانسان المسلم.. طال حديثي مع السجان. ان نفسه استجابت للكلمات النيرة وان نفسي انفتحت للحديث مع مسلم، مع انسان يتأثر بالفكر، فاني منذ اعتقالي وانا في زنزانة انفرادية لا اتحدث الا مع ربي: اتلو ما احفظ من آياته، وادعو لحفظ وتوفيق الدعاة الى الله ولهداية امتنا في مشارق الارض ومغاربها الى العودة لدين الله كما يريد الله ورسوله.

استحضار العلاقة بالله تعالى عمل ايماني، علينا ان نعيشه بكل ابعاده وفي كل اوقاتنا واينما كنا.

قبل ايام خطر بذهني سؤال: متى نصر الله؟ ودخل الشيطان من خلال السانحة. كان ذلك بعد عودتي من فترة تعذيب نفسي كنت فيها موضع هزء وامتهان وتهديد ووعيد بين اشخاص لم اشاهدهم في زمرة التعذيب من قبل ولعلهم زوار مشاهدون لمكاسب الثورية في قمع كل من يحاول التفكير والتكلم خارج خط الدولة والحزب القائد.

خطرت الخاطرة متى نصر الله ثم تتابعت الافكار وكأن هاجساً يتكلم: يشكك بجدوى الصبر على البلاء ويتحدث عن الحرية والبيت والزوجة والاطفال والاهل والمستقبل. وانتبهت الى هذا الاتجاه المعكوس في التفكير وانتبهت الى خطورة الاستمرار بهذه الافكار الشيطانية فتعوذت بالله من الشيطان ورجعت الى نفسي الى حقيقة وضعي. رَ‌بَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَ‌حْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٠٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُ‌وا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُ‌ونَ ﴿٢٠١﴾ وعادت النفس الى صفائها والفكر الى وضوحه.

الحياة اثناء التحقيق في السجون الخاصة مرهقة، عذاب وعذاب تتخللها فترة راحة. رغم الارهاق كنت احس اثناء فترات الراحة براحة نفسية وراحة جسدية. كانت نوبات التعذيب الوحشية التى كان يمارسها الجلادون بقسوة دونها قسوة الوحوش الضارية ودونها قسوة الاعداء القساة في اسرائيل.

عندما كان الجلادون يتركونني بعدالتحقيق ليستأنفوا عملهم بعد يوم او يومين او بعد اسبوع وعندما كان تعذيبهم يترك آثارا في جسدى لايمحوها اليوم او اليومان فالتعذيب يحتاج الى جسد التأمت جروحه لكي يصمد امام وجبة جديدة من التعذيب والا اصابه الانهيار الجسدى والموت المحقق ولعل الاوامر العليا لزمرة التعذيب هو ان يكون التعذيب اثناء التحقيق الى حد لايؤدي الى الموت ويسمح ما دون ذلك..

كنت اشعر براحة نفسية وراحة جسدية بعد التحقيق والتعذيب عندما لايخلف آلاما مبرحة وعندها ينطلق ذهني صاحيا: اتصل بالله تعالى بقراءة القرآن، واذكر الله سبحانه. ادعوه. اتذكر اصحابي العاملين في السجن الكبير… اتصور مستقبل العمل. افكر في الآخرة..

ذكرت في مرة من المرات بعد فترة تعذيب شاقة المؤمنين في الدعوة الاسلامية الاولى وما لقوه على ايدى اعداء الله من طغاة قريش ومن هذه الذكرى الذهنية انتقل ذهني الى السيرة النبوية وانتبهت الى ان كتب السيرة والتاريخ لم تتعرض بالتفصيل لحياة المرحلة الاولى لدعوة الرسول وما نجده من ذكر بعض الحوادث المتفرقة لايعطي صورة متكاملة لعمل الرسول وصحابته في مرحلة ما قبل الدولة.

القرآن الكريم هو الوثيقة الالهية الكاملة التي وصلتنا بلانقصان ولاتحريف والقرآن الكريم يتعرض لاسس حركة الانبياء وخاصة حركة الاسلام العالمية الخالدة بكل مراحلها.. ان السور المكية او الآيات التي نزلت في مكة تشرح فيما تشرح اسس الحركة الاسلامية ما قبل الدولة وكذلك قصص الأنبياء التي اوردها تعالى في كتابه العزيز تعطي اسسا واضحة وخالدة للتحرك الاسلامي في جميع العصور.

القرآن انزله الله تعالى على نبيه نورا لاتطفأ مصابيحه ومنهاجا لايضل نهجه وفرقانا لايخمد برهانه فهو معدن الايمان وبحيرته جعله الله ريالعطش العلماء ودواء ليس بعده داء وحبلا وثيقا عروته وسلما لمن دخله وهدى لمن ائتم به. وانه يجرى كما يجرى الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر ويجرى على آخرنا كما يجرى على اولنا.

ولهذا كله ولغيره فان القرآن وما وصلنا من حديث عن الدعوة الاسلامية الاولى يعتبران ينبوعا نغترف منه دقائق العمل الاسلامي لاعادة الناس الى عبودية الله دون الخلق واعادة حكم الله الى الارض.

ان المسلمين على امتداد تاريخهم لم ينتبهوا الى استنباط طريقة العمل الاسلامي لاحياء الاسلام في الارض لانهم كانوا يعيشون في البيئة الاسلامية واما نحن فاننا نعيش في بلاد المسلمين في بيئة اختلط فيها الفكر الكافر بالفكر الاسلامي والسلوك وطراز الحياة والعادات والتقاليد والاعراف والمثل التى غزتنا من الحضارة المادية مع بقايا ما نلتزم به من الاسلام ولذلك فان علينا تعيين طريقنا في العمل الاسلامي من المفاهيم القرآنيه والسيرة النبوية.

واني ادعوكم ايها الاخوة الى دراسة السيرة ودراسة الآيات القرآنية المتعلقة بعمل الرسول وعمل الانبياء لاغناء المفاهيم العملية لدينا.

رسالتي هذه ايها الاخوة ليست نشرة حزبية ـ وبالمناسبة فاني ارجو ان تكون النشرات تستمر في العطاء فقد كنا نتضايق لتأخرها ولكن كانت ولاتزال ظروف اصدار النشرة وتوصيلها في اقليمنا امرا غير يسير. اللهم يسر من امورنا ما فيه رضاك ـ وانما هي خواطر عرضتها عليكم فاقبلوها.

وسأبسط امامكم بعض الافكار المتفرقه التي كانت تخطر بذهني في وحدتي في زنزانتي المنفردة وكنت أكتب بعضها على حائط الزنزانه بعيدان الكبريت عندما احصل عليها وستكون جدران زنزانتي مسلية لمن يزورها بعدى.

الماضي والحاضر والمستقبل في حياة الداعية شيء واحد. الزمان والمكان والنفس والجسد والفكر والمشاعر كلها تجري في مجرى واحد الى عبادة الله ورضوانه.

ايها السجان الصغير ارى على وجهك آثار السنين..الكدح، والانسحاق، اجرتك لاتشبع معدتك، وافواه اطفالك الصغار. ومع ذلك فانت مخلص في خدمة السجان الكبير.

السجان الكبير قابع في القصر منغمس في حياة الترف في حياة التفاهة في حياة الاستعلاء والكبر والظلم. ومع كل ذلك فان القلق يخيّم على اجوائه هل تعلم انه لا ينام الا بالعقاقير.

ايها السجان الصغير ان سيدك غير مطمئن في حياته هل انت مطمئن في حياتك بخدمة السجان الكبير.

ثوار ما ينهوف في بيئة مترفه في مجتمع مستقر ثاروا على الحياة في صحراء المادة حيث يفقد الانسان انسانيته ويعيش بين القطيع الصناعي كما الابقارفي قطيع انتاج السلع والاندفاع نحو الاستهلاك هو الهدف.

يقول ثوار ماينهوف: لامجال للنقاش مع الرأسمالية الامريكية الالمانية ولاسبيل الاضربها.

وسيلتهم لضرب المجتمع هي الحرب.

بضعة عشرات من الافراد او اكثر بقليل.

يحاربون بشجاعة نادرة القوى البشرية الراسمالية الضخمة باندفاع.

نعم.. المجتمع سيء.. سيء بكل ما فيه.

ولكن القناعات الفكرية لديهم.. الحلول المطروحة..مبهمة.

الى اين ياثوار ما ينهوف؟

فتشوا عن رسالة تنيرلكم الطريق.

وانى لكم ذلك واصحاب الرسالة المنيرة يسحقهم عملاء الراسمالية الامريكية الاوروبية.

التجار المتدينون في العواصم الاسلامية

ماذا يفعلون لدينهم؟

يتبرعون بجزء يسير من اموالهم لاعمال لاتسمن ولاتغني من جوع هل هذا يرضي الله؟

هل هذا هو الالتزام الديني في عصر ابتعاد الناس عن الدين.

في عصر عبادة الدينار في معابد البنوك.؟؟

يتفنن الطغاة بالتعذيب.

يسلطون النور الساطع على الزنزانة في الليل.

ويمنعون نور النهار على من فيها.

يزيدون حرارتها في اوقات القيظ وبردها اثناء القر.

نائب الرئيس.. السيد النائب زار المعتقل.

اصدر اوامره بعدم التساهل مع اعداء الثورة.

وفصل السجناء الخطرين عن السجناء الاعتياديين.

امر بزيادة الزنزانات الانفرادية.

اتذكر.. والذكرى يختلط فيها الاعجاب والتعجب

كان فلان في قمة الابداع الفكرى عندما كان في طليعة العاملين.

وعندما انتكس عن العمل الاسلامي انهارت امكاناته الذهنية في الفكر الاجتماعي الحياتي. وعاد الى قواعده الراكدة سالما معافى.

وسار موكب النور في طريق ذات الشوكة.

سيلتحق المتخلفون نادمين بموكب النور.

ام تراهم سيصرون على الابتعاد عن دعاة الله.

الدرب بعيد وشاق.

والسعيد من يتوفى مع الابرار.

كانت ضربة السجان عنيفة.. فقدت الوعي بعدها.. وسمعت صوتا من بعيد افحصه هل مات.. وأحسست بنار تمس عيني.. كان الفحص بواسطة شعلة سيجارة تحرق عيني.. ويبدواني احسست من اثر ما يحيط العين وسمعت الصوت وتحركت حركة انعكاسية. لِمَ يصل الجلاد الى هذا الحد من القسوة؟؟

اسرائيل وظلم الحكام العملاء في بلاد المسلمين عوامل ليقظة المسلمين وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خيرلكم.

الانتباه السريع والتمييز الدقيق والربط بين الامور صفات بجب ان تتوفر عند جميع الدعاة الى الله.

المنعطفات التاريخية في حركة المجتمع وفي مسيرة الحركة السياسية الاجتماعية تعني تطورات جديدة حدثت في المجتمع وبين صفوف الامة بفعل الوقود الفكري وتاثيرته في المجتمع او بفعل احداث عالمية موثرة او بفعلهما معا. ويقتضي على العاملين في الحركة السياسية الاجتماعية ان يحللوا اساليب عملهم ويطوروها ليتمكنوا من استمرار المسيرة بزخم جديد وبتلاحم جديد مع الامة ورؤية هذه المنعطفات تحتاج الى:

  1. معرفة بالمؤثرات والعوامل والقوى الموجودة في المجتمع.

  2. والى معرفة المتغيرات البطيئة والسريعة التي تحدث في المجتمع.

  3. والى التنبه للمسارب التى تظهر لكي تدخل من خلالها المسيرة لتصل الى الهدف الذى كان بعيدا اوحان وقت الوصول اليه.

  4. والى اتخاذ موقف جديد او اسلوب مناسب للعمل.

  5. ومن تفوته الفرصة عليه ان ينتظر فرصة اخرى ومن تفوته الفرصة قد تفوته جميع الفرص.

ايهاالدعاة

الم يشرح الله صدوركم ففتحها وبسطها لقبول دعوته ووضع عنكم اوزار القبول بسيادة الكفر والاستعمار الذى يثقل ظهور الجبناء والمترددين ممن يدركون الحقائق، ورفع بذلك ذكر دعوتكم رغم التعتيم الاعلامي.

يقول ربكم، رب العالمين:

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ‌ يُسْرً‌ا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ‌ يُسْرً‌ا ﴿٦﴾

ايها الاخوة

..جدوا في العبادة وتضرعوا الى الله

وقل اعملوا.