مقترحات لمشروع الثورة الثقافية في الجمهورية الاسلامية الايرانية
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات الأعلام الفضلاء…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انه لشرف كبير ان يعتمدكم قائد الأمة الامام الخميني دام ظله لرسم معالم الثورة الثقافية الاسلامية في الجمهورية الفتية، وانها لمسؤولية كبيرة تتحملون النهوض بها في استنباط معالم الثقافة الاسلامية واستيعاب الواقع الثقافي الايراني والعالمي ووضع القرارات والخطط للأنتقال بالمسلمين في ايران من الخليط الثقافي الى ثقافة الاسلام الاصيلة الفاعلة الرائدة.. ليكون هذا الشعب المسلم الموفق بداية المد الثقافي والحضاري الاسلامي الجديد ان شاء الله تعالى، كما كان بأرادة الله تعالى انطلاقة المد الثوري الاسلامي الجديد.
نقدم اليكم فيما يلي نقاطاً موجزة عن صفات الثقافة الاسلامية، وعن الواقع الثقافي الايراني وبعض المقترحات لمشروع الثورة الثقافية، ونعرض استعدادنا لخدمتكم بأن نفصل النقاط التي تطلبونها بحيث تكون جاهزة نهائيا للتنفيذ العملي.
الصفات الاساسية للثقافة الاسلامية
قد تتداخل هذه الصفات الاربع للثقافة الاسلامية ولكنها تتمايز عن بعضها خاصة في الواقع العملي. كما أنها تشكل الصفات الرئيسية للثقافة الاسلامية التي تتفرع عنها الصفات الاخرى أو تتصل بها اتصالا وثيقا.
الصفة الأولى: الثقافة الاسلامية ثقافة أصيلة
ونقصد بالاصالة: وجود ثقافة اسلامية شاملة. فالقاعدة الفكرية في الأسلام أي: النظرة العقيدية الى الكون، والحياة، والانسان.والنظام الاجتماعي في الاسلام أي: الاحكام لكافة جوانب حياة الناس، الفكرية والسياسية،والاقتصادية، والاجتماعية.. كل ذلك أنزله الله تعالى على رسوله ﷺ وهو موجود في مصادر الاسلام القرآن الكريم والسنة المطهرة، وفي استنباط الفقهاء والمفكرين أو هو ينتظر الاستنباط من قبل الفقهاء والمفكرين،ان وجود ثقافة شاملة في الاسلام من الواضحات التي يعترف بها القريب والبعيد والتي تكفي لمشاهدتها النظرة الفاحصة في مصادر الاسلام ونشوء امته ومسيرتها. والتشكيك في وجود هذه الثقافة الاسلامية الشاملة مصدره الجهل وعدم الاطلاع او الجهالة والمكابرة. ونقصد بالاصالة:
استقلاليه الثقافة الاسلامية. فهي غير مقتبسة من ثقافات أخرى لابمعنى التركيب من تلك الثقافات ولابمعنى التطوير لها. وغير مقلدة. وغير متأثرة.. الخ..
انها الاستقلالية الكاملة في الشخصية التي تنسجم ولاتتنافى مع كون شخصيةهذه الثقافة تمثل في اعتقادنا وفي واقعها المستوى المتكامل لثقافة الرسالة الالهية عبر الحياة البشرية. والاستقلالية التي تنسجم ولاتتنافى مع تفاعل الثقافة الاسلامية وانفتاحها على الثقافات الاخرى انفتاحا وتفاعلا ايجابيا يجعلها تستوعب نتاج العقل البشري وحصيلة التجربة البشرية وتهضمها ضمن خطوطها وشخصيتها المتميزه. وتستوعب تطور الذهن البشري والحياة الاجتماعية وتطور تعامل الانسان مع الطبيعة استيعاباً تضمنه طبيعتها المرنة الحركية ضمن نظرية الاسلام في الثابت والمتحرك في حياة الانسان على هذا الكوكب.
الصفة الثانية: الثقافة الاسلامية ثقافة حضارية عالمية
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ
ونقصد بالحضارية: ان الثقافة الاسلامية تدعو وتنشيءلوناً كاملاً من الحياة البشرية في شخصية الانسان, والعلاقات، والسياسة، والاقتصاد والعمران.. وبقطع النظر عن التفاوت في مفهوم الحضارة والمدنية لدى علماء الاجتماع فان آفاق الثقافة الاسلامية في نظرتهاوفعلها في الحياة والانسان والاجيال هي هذه الآفاق الواسعة العالية في المقومات والشمول. ونقصد بالعالمية: ان الثقافة الاسلامية ثقافة انسانية أممية لايتحدد حقلها بشعب ولازمانها بجيل ولامكانها برقعة او اقليم. ونقصد: بها ان الثقافة الاسلامية ذات طبيعة امتدادية لانها ثقافة فعل وتغيير، ثقافة دعوة الى بناء إنسان وحياةٍ جديدين متجددين فهي لذلك ثقافة ثورية دائماً وفي موقع الفعل وليس رد الفعل، وفي موقع التصحيح لا الدفاع عن الخطأ،وفي موقع الحيوية والاستيعاب وليس الجمود والتقوقع.
الصفة الثالثة: الثقافة الاسلامية ثقافة ايمانية ربانية
ونقصد بالربانية او الايمانية: ان الثقافة الاسلامية تفهم المادة والامور فهماً عقيدياً معنوياً كاملاً، وترفض الفهم العادي المحدود للمادة كما ترفض الفهم المعنوي الناقص، الفهم العلماني للاسلام. إن هذا الفهم الاسلامي للكون والحياة والانسان، او الفهم المعنوى الذى يعبر عنه بالفهم الميتافيزيقي وقد يعبر عنه بالفهم الروحاني (مع ان هذا التعبير ”الروحاني“ ورد في نصوص الاسلام بمعنى آخر ولم يرد في هذا المجال) هذا الفهم الذى هو اتساع في حركة الفكر في الأسباب نحو السبب الأعلى عزّوجل، وفي النتائج المستقبلية منها والبعيدة.. ينتج في الانسان ارتقاءافي تولد الافكار والمشاعر يتحول الى حالة في الشخصية،وظواهر في الأمة،ولونٍ جديد للحياة البشرية.
وان هذا الفهم في الثقافة الاسلامية قسم من الواقع الموضوعي للماده وليس جزءً محملاً عليها تحميلاً، أو مسحةً شعورية تصبغ بها المادة صبغا. كما انه فهم ينسجم ويتأكد في حركة الحياة وينحرف في العزلة والرهبنة والاتجاهات الصوفية المختلفة عن واقع الحياة التائهة في مسارب الخيال.
الصفة الرابعة: الثقافة الاسلامية ثقافة جماهيرية
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴿١٧﴾
فهي ليست صعبة الفهم، ولاالتناول، ولامقتصرة على فئة من الناس. مع تبنيها الكامل للاختصاص (مبدأ وجود أهل الخبرة والرجوع اليهم) فلونظرنا الى كمية الثقافة التي يحصل عليها المسلم الاعتيادي سواءافي نظرية الاسلام عن المجتمع أو فيما تحقق في حياة المسلمين لوجدنا أن صفة (ثقافة أوسع الجماهير) لاتنطبق على ثقافة كالثقافة الاسلامية.
والسبب في ذلك:
-
أ. أنها تخامر فطرة النفس البشريه وتلبي تساؤلاتها وحاجاتها العملية.
-
ب. انها ميسرة المفاهيم والاحكام.
-
ج. ان الوسائل التي يعتمدها الاسلام في إيصالها الى أوسع الجماهير مبتكرة وميدانية، ومن امثلتها:
-
المسلم لايقلد في أصول الدين.
-
المسلم يؤدي فريضة الصلاة والطهارة اليومية.
-
المسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
-
المسلمون يؤدون صلاة الجمعه والجماعه.
-
المسلم يتعلم الاحكام التي يحتاجها في عمله ومحيطه.
-
المسلم يقرأ القرآن.
-
المسلم يمتنع عن المحرمات التي تستقطب الذهن وتصرف عن التفكير.
-
المسلم يتوكل على الله ويشغل ذهنه بما يراد منه لابما يراد به…. الى آخر الأمور الاعتقادية والعلمية والتربوية التي تجعل المجتمع المسلم يفكر أكثر من غيره، ويحصل على الثقافة أكثر من غيره كما تجعله يتهيأ للاختصاصات الثقافية المختلفه ويبدع في تحصيلها واغنائها.
-
الاتجاهات الثقافيه في البلاد الاسلامية
فيما يلى تعداد لأهم الاتجاهات الثقافية في أوساط شعوبنا الاسلامية المعاصرة واشارة الى بعض الاسباب والظواهر لهذه الاتجاهات:
١. الاتجاه الثقافى التبعي.
المقلد للثقافة الغربية، ونقصد بالثقافة الغربية هنا: ما يشمل ثقافة البلدان الشيوعية والاشتراكية، لانها لون حقيقي من الثقافة الغربية سواءاً في نشأتهاوتوجهها. وأسباب وجود هذه الثقافة في أبناء المسلمين الذين يعبر عنهم الامام دام ظله(غرب زده ها).
-
أ. انغلاب الأمة الاسلامية للمد الاستعماري الغربي بعد فترة الانحطاط والركود الثقافي الذى أصابها. ومن طبيعة المغلوب تقليد الغالب.
-
ب. انقطاع الجيل المسلم عن مصادر ثقافته واعراضه عنها بفعل التربية الاستعمارية الغربية المقصودة.
-
ج. انبهار الجيل المسلم بالتقدم المادي الغربي خاصة عندما تكونت شخصيتهم الثقافية في أجواءٍ غربية.
٢. الاتجاه الثقافي التركيبي:
الذى يأخذ قسماً كثيرا أو قليلا من الاسلام، وقسماً من الثقافة الغربية.وأصحاب هذا الاتجاه أنواع:
-
فمنهم من يجهل أصالة الثقافة الاسلامية وشمولها لأنه اطلع على جزءٍ منها كما اطلع على الثقافة الغربية وأعجب بقسم كبير منها فهو يتجه الى التوفيق بين ما عرف وما أعجب به.
-
ومنهم من يعرفون أصالة الثقافة الاسلامية وشمولها، ولكنهم مصابون بالضعف أمام مفاهيم ومد الثقافة الغربية، فهم يتجهون الى الأخذ منها أو بها بدل رفضها ومواجهتها.
-
ومنهم من يتجهون الى حل المسألة الثقافية حلاً سياسياً، فيطرحون التوفيق بين الثقافتين كحل سياسي… للتوفيق بين أصحاب الثقافتين على الساحة الاسلامية،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وسواء كان أصحاب هذا الاتجاه التركيبي توفيقيين بسبب الجهل وعدم الاطلاع، أو توفيقيين بسبب الضعف والانهزام، أو توفيقيين بسبب تناولهم للمسألة الثقافية تناولاً سياسياً لافكرياً. فإنهم يبقون بعيدين عن استيعاب المشكلة ومعالجتها.
-
ومنهم المتآمرون على الثقافة الاسلامية الذين يطرحون الحل السياسي التوفيقى بين الاتجاهين لأرضاءِ أصحاب الثقافة الاسلامية والمسلمين بالحد الادنى كمرحلة في صراعهم مع الثقافة الاسلامية.
٣. الاتجاه السياسي أو العلماني في فهم الثقافه الاسلامية:
وقد يبدو أصحاب هذا الاتجاه من أصحاب الاتجاه التركيبي المتقدم، ولكنهم يختلفون عنهم، فهم في الغالب مخلصون للثقافة الاسلامية والأمه الاسلامية، ولكنهم لسبب وآخر يأخذون الثقافة الاسلامية قريباً من الطريقة التي يأخذ بها الماديون الثقافة الشيوعية أو الرأسمالية، فتنقصهم صفة الربانية ـ الايمانية ـ في عدة جوانب من الثقافة الاسلامية لأنهم لا يستوعبونها أولايعيرونها اهتمامهم.
وهم في الغالب أصحاب مستويات ذهنية متقدمة في فهم الجانب السياسي والاقتصادي وفي ادراك الخطوط الحضارية من الاسلام.
وأسباب هذا الفهم الناقص للثقافة الاسلامية هي في الغالب:
-
التأثر بالجانب الحسى المادى من الحياة والثقافة الغربية.
-
استقطاب الفكر الاقتصادي والسياسي لأذهانهم
-
ردة الفعل من بعض أنواع الفهم المعنوي ـ الروحاني الخاطئ خاصة الانواع المتخلفة والقصيرة النظر.
٤. الاتجاه الثقافي الاسلامي (الاصيل) الجامد:
ويكثر أصحاب هذا الفهم للثقافة الاسلامية في البيئ المتدينة التقليدية ومن يتأثر بهم من جماهير الامه. ومن أبرز مظاهرهم:
الحرفية السلفية، والجمود الذهنى، والتقوقع. وأسباب هذا الاتجاه هي في الغالب:
-
حالة الركود والتخلف السياسى والفكرى التي أصابت المسلمين منذ عهود الانحطاط.
-
ردة الفعل السلبية من الثقافة الغربية، والتخوف على الاسلام والمسلمين من أى خطوة نحو التفاعل والتطور.
-
حالة التخلف الذهنى لدى بعض كبار أصحاب هذا الاتجاه والتى تصل الى حد البدائية الذهنيه.
-
رواسب الافكار الصوفية المنحرفة والاعراف والتقاليدالخاطئة.
وانما وصفنا هذاالاتجاه بالاصالة وصفا متحفظا، لانه يقوم على اعتقاد الاصالة ولان فيه جوانب اصيلة، ولانه قريب عمليا من الثقافة الاسلامية الاصيلة
٥. الاتجاه الثقافي الاصيل.
الذى يتصف بالصفات الاربع المتقدمه الاصالة والحضارية والربانية والتيسير وهذه هي الثقافة الاسلامية التي يقع على عاتقكم أيها الاعلام الفضلاء رسم معالمها، ومعالجة المشاكل التى تعترضها ووضع الخطط العملية لتحقيقها.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ
ملاحظات ومقترحات
(١) مجالات الثورة الثقافية:
المجالات التى تشملها الثورة الثقافية هي:
-
المدارس: مرحلة ماقبل الجامعة ـ المرحلة الجامعية ـ الاختصاص.
-
الحوزات العلمية والمنبر الحسيني.
-
المساجد والحسينيات والنوادي الثقافية.
-
الاذاعة والتلفزيون.
-
السينما والمسرح وكافة الوسائل المسموعة والمرئية كالفيديو والكاسيت.
-
الكتاب المنشور: التأليف والترجمة.
(٢) مجلس دائم للثورة الثقافية.
قد تكفي الشهور القليلة من العمل الجاد لتحديد معالم وأهداف الثورة الثقافية، واتخاذ عدد من القرارات الاساسية، ووضع عدد من الخطط الرئيسية. ولكن تحقيق الثورة الثقافية يحتاج الى هيأة دائمة ذات لجان دائمة تتابع تنفيذ المقررات والخطط الجديدة، وتعالج المشاكل الطارئة.. لذلك ينبغي اعطاء مجلس الثورة الثقافية صفة الدوام من قبل مجلس الشورى أيضا، وبطبيعة الحال لابدّ من اعطائه صفة التقرير بحيث تجري مقرراته ومقررات لجانه على الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة.
(٣) التوازن في شخصية الثقافة الاسلامية.
من أجل تحقيق الشخصية المتميزة للثقافة الاسلامية ينبغي مراعاة التوازن بين الصفات الاربع الاساسية: الاصالة والحضارية والربانيه والتيسير، في كافة المقررات والخطط المرسومه. وقد يكون باستطاعة شخص أن يلاحظ هذه الجوانب الاربعة ويوازن بينها. وقد يحتاج الامر الى عدة أشخاص أو لجان يدرس كلٌّ من زاوية اختصاصه أو توجههم الفكرى والنفسى.
فعلى سبيل المثال قد يكون باستطاعة شخص متكامل النظرة أن يحقق الصفات الاربع المذكورة في مجلة شهرية. أما الثقافة الجامعية أو ما قبل الجامعية فتحتاج الى عدد من الاشخاص أو اللجان يدرس بعضهم الخطة المقترحة والمناهج الدراسية من ناحية الاصالة، وبعضهم من ناحية حضارية، وبعضهم من ناحية التيسير والتبسيط… وهكذا.
(٤) مناطق الفراغ في الخطط والقرارات.
ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في المقررات والخطط ترك مناطق فراغ حيثما يمكن وذلك لسببين:
-
أ. من أجل المرونه في تحقيق التحول الثقافي، فتملأ هذه المساحات بالتدريج في أثناء خطوات مسيرة التحول الى الثقافة الجديدة.
-
ب. من أجل فسح المجال للابداع الشخصي للمنفذين ولمن تنفذ عليهم هذه المقررات والخطط لكي تتفجر طاقاتهم ويملؤوا بمواهبهم واخلاصهم مساحات الفراغ.
ويمكن وضع قواعد لتحديد مناطق الفراغ هذه ولملئها مع ملاحظة أنها ميدانية أكثر منها نظرية.
(٥) الحدّية في النظرية والمرونة في التطبيق.
الثورة الثقافية تتحمل الحسم في النظرية التي هي تحديد معالم وأهداف الثقافة الاسلامية، وأختيار الاساليب والوسائل العامه التي يجب أن تعتمد، وتحديد المشاكل الواقعة أو المتوقعة ووضع المعالجات لها…أما في التطبيق فلابد من المرونه والتدريج حتى يتم الانتقال من الوضع الثقافي الحاضر الى الثقافة الجديدة بشكل حقيقي ودون ردات فعل. لذلك ينبغي أن تكون قاعدة (الحدية في النظرية) وعدم التنازل عن حرف منها ضرورة، كما أن المرونة في التطبيق والحرص على أن يسير بدأب وبشكل طبيعى وبأقل سلبيات، أيضا ضرورة.
والمرونة والتدرج في التطبيق تكون عادةمحل خلاف بين وجهات النظر كما نشاهد في بعض الخلافات الاساسية في شؤون الجمهورية المظفرة. والمرجع في تقدير ذلك في نظر الاسلام هم أهل الخبرة الميدانية شرط أن يكونوا مستوعبين للنظرية بشكل كامل.
(٦) مباشرة المسلمين لمصادر الاسلام.
لتحقيق الثورة الثقافية لابد من اشاعة اتصال المسلمين اتصالاً مباشراً بمصادر الاسلام ـ القرآن الكريم والسنة المطهرة ـ لكي يباشروا نصوصها وعطاءاتها الوفيرة. ومع الاسف فان مباشرة المسلمين لمصادر الاسلام قليلة جداً حتى لدى من يعرفون اللغة العربية فالوضع السائد في بلاد المسلمين هو الاتجاه نحو الصحف والمؤلفات والاعراض عن مباشرة المصادر.. مع أن مخامرة الفكر والنفس لمصادر الاسلام التي يسَّرها الله ورسوله لكل الناس لايغني عنها غيرها ولايعطي عطاءها غيرها.. لذلك ينبغي توجيه المسلمين نحو مصادر دينهم بنشر ترجماتها واشاعة تدريسها وازالة الحاجز اللغوي بين المسلمين ومصادرهم بتعليم اللغة العربية. ويفضل أن يشجع التعليم التـَّطوُّعي.
(٧) حول الدراسة المنهجية.
ان أهم النقاط التي ينبغي أن تتناولها الثورة الثقافية في الدراسة المنهجية ـ الرسمية والاهلية ـ هي النقاط الخمس التالية:
-
أ. إنشاء لجنة دائمة لوضع وتطوير المناهج الدراسية من روضات الاطفال الى نهاية المرحلة الجامعية ـ بكالوريوس.
-
ب. اعادة النظر في تقسيم مراحل الدراسة، فالتقسيم القائم ليس إلا تقليداً مشوهاً لمراحل الدراسة الغربية، والتي تخلى عنها كثير من المدارس والجامعات الغربية. ومن ناحية ثانية فان الطفل والشاب المسلم أكثر ذكاءاً واستيعاباً وأحسن ظروفاً للتحصيل العلمي من الطفل والشاب الغربي. فالتخلف الذهني والمفاسد الملهية وربما تخطيط الحكومات الغربية يضيع سنوات من عمر شبانهم وفتيانهم. ونرى أن تكون مراحل الدراسة مثلاً كما يلي:
المرحلة الاولى: المرحلة التحضيرية الى سن ١٤ سنة.
المرحلة الثانية: مرحلة المهن التطبيقية وتحصيل المهارات من سن ١٤ الى ١٦ أو ١٨ سنة. المرحلة الثانية أيضا: مرحلة التأهيل الجامعي من سن ١٤ الى ١٦سنة.
المرحلة الثالثة: المرحلة الجامعية ـ الى البكالوريوس من سن ١٦ الى ٢٠ سنة.
المرحلة الرابعة: مرحلة الإختصاص..
-
ج. كما ينبغي اعادة النظر في اسلوب الاختصاص المتبع في العالم الثالث، ففي العالم الشيوعي الاشتراكي توجد اختصاصات حقيقية بمقوّماتها وأجوائها تقوم بها الدولة وفي العالم الغربي توجد ايضا اختصاصات بمقوّماتها وأجوائها تقوم بأكثرها المؤسسات الرأسمالية الاهلية وتشارك الدولة في بعضها وتقوم هي بالبعض الآخر. أما في العالم الثالث عالم المستضعفين فإن ما يسمى بالاختصاص سواءافي العلوم الأدبية الانسانية أو العلوم الطبيعية هو مدعاة للسخرية والأسى. فإذا توفقت الثورة الثقافية أن توفر مقوّمات الاختصاص وأجواءه سواءافي الجامعات أو بمساعدة المؤسسات الأهلية والمبادرات الفردية.. فإن ابداعاً منقطع النظير ونتائج هامةً وسريعة سيشهدها حقل الاختصاص في مختلف المجالات بعون الله تعالى.
والطريقة التي نقترحها لذلك طريقة حوزات الاختصاص التي نذكر حولها النقاط التالية:
-
تنشأ حوزات للاختصاصات العلمية في مختلف العلوم للسير في طريق كفاية المسلمين والتفوق المادي على الاعداء امتثالاً لأمر الله تعالى وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ فتنشأ حوزة للأطباء والصيادلة، وحوزة للمهندسين الميكانيكيين والكهربائيين، والمدنيين، والزراعيين والبتروكيمياويين، ومهندسي الطيران، والريّ، وإعمار الصحاري، والاقتصاديين، وحوزة لأدارة الأعمال والمحاسبة، وعلم النفس الاجتماعي…
-
تكون الجامعات مقر هذه الحوزات ويتم التنسيق بينها، ويكون التدريس في هذه الحوزات بالطريقة الحرة الموجودة في قم والنجف مع تطوير يتلاءم مع وجودالمختبرات والأعداد الكبيرة للطلبة.
-
مهمة الحوزات الجديدة تطوير البلاد اقتصاديا من جميع النواحى وايجاد قفزة صناعية وزراعية وصحية.. الخ. تضاهي ما عند الغرب والشرق الماديين.. وذلك بتهيئة الاجواء، اجواء البحث العلمي المعمق لشتى الشوؤن لتكوين مجتهدين في جميع العلوم يقومون بأعمال الابتكار والاختراع ومضاهاة الدول المتطورة وإشاعة المعرفة العلمية بين الناس.
-
توفر المادة الاساسية للعلوم لجميع الناس وذلك بإزالة حاجز اللغة بين المسلمين والعلوم فتترجم العلوم الاساسية التي تدرس في الجامعات العالمية، وتترجم الابحاث المهمة لمختلف فروع العلوم والصناعات وتنشر في كتب ومجلات متخصصة وتتداول بشكل مبسط وميسر لمن يريد الاطلاع عليها من عامه المسلمين.وقد تحتاج الترجمة من اللغات الانكليزية والالمانية والفرنسيةالى الفارسية والعربية واللغات المحلية الاخرى الى لجان دائمة لان الابحاث والتقدم المادي لدى الدول المتقدمة مستمر حتى نتفوق عليهم بمعونة الله تعالى.
-
المحاكاة في الصناعة والزراعة هي اولى خطوات النهضة الصناعية والزراعية كما تحاكي اليابان الدول الصناعية الاخرى بكفاءة عالية. والخطوة الثانية تعديل وتطوير الأمور والأشياء الفنية بإدخال التحسينات المتعددة عليها. والخطوة الثالثة هي الابتكار والاختراع أي صناعة أشياء وايجاد أعمال لم تكن موجودة منِ قبل.. ومن الممكن السير في الخطوات الثلاث في آن واحد، فنقوم بالمحاكاة في المستوى المتقدم للصناعات، ونقوم بالتحسينات والاختراعات في المستويات العادية. ومن المعلوم ان المستوى الصناعي للبلاد الاسلامية هو مستوى استهلاك الأدوات والأجهزة التي تشتريها من الغرب ولاتقوم إلابأعمال صناعية بدائية جداً.
-
الحوافز الايمانية هي الاساس في إنجاح هذه الحوزات.
-
توجه نداءات متتالية من المرجع القائد، والعلماء، والقادة والحكومة لدفع أهل الاختصاصات في مجال الحوزات العلمية.
-
المسجد أحد أهم الاماكن المؤثرة في بناء الانسان الجديد، وينبغي ان يحث أئمة المساجد المسلمين باستمرار على بذل الجهود لاستيعاب المهارات والعلوم والبحث العلمي.
-
بالاضافة الى ميزانية الدولة المخصصة لهذه الحوزات يُهتم بإيجاد أوقاف خاصة لها، وتبرعات من المسلمين.
-
يمكن وضع خطط تفصيلية لمشروع الحوزات يتناسب مع انطلاقة الانسان المسلم، الانسان الجديد في هذا العالم المادي.
-
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(١٧ شعبان المعظم ١٤٠١ هجري)
حزب الدعوة الاسلامية
(اللجنة الفكرية المركزية)