صوت الدعوة هي النبراس
سؤال يكثر ترداده على لسان الدعاة الميامين: لماذا لا تنشر (صوت الدعوة) الافكار الاسلامية سواء منها ما يتصل بالعقيدة او بالشريعة؟ ولماذا لا تنشر المفاهيم والافكار الكافرة؟
كما قد يقال ان بعض الدعاة كثيرا ما يقع في شبهة مفاهيم الكفر، وقد يكتب بذوقها عندما يكتب، ويتحدث بلغة الغرب اذا تحدث.
هذه الاسئلة كثيرة لابد من الاجابة عليها الا ان هذه الاسئله تتعلق باسئلة اخرى سنتحدث عنها.
اولا: ما هو المجتمع الذي نعيش فيه؟
ثانيا: ماهو المستوى الفكرى الذي لابد ان يصل اليه الداعية وكيف يحققه؟
ثالثا: موقف النشرة من دراسة الفكر الاسلامي او غيره وما هو هدف النشرة؟
ومن الواضح ان المجتمع الذى نعيشه ليس مجتمعا اسلاميا أنما هو مجتمع مشبع بروح الغرب وبفكره فان لم يكن بعض الناس قد وصلوا الى درجة الوعي بالفكر الغربي نتيجة لطبيعة درجتهم العلمية ولعدم توفرهم على الثقافة بشكل عام وهؤلاء هم اكثر الناس، نقول ان لم يكن اكثر الناس هؤلاء قد احاطوا بالمعرفة الغربية فان سلوكهم وطبيعة معيشتهم والطريقة التي يتبعونها مشربة ببعض التقاليد والعادات الاسلامية التي تسير بدورها نحو الضمور والتلاشي.
وفكر الدعوة فكر اسلامي اصيل يخالف بكله الفكر الغربي ويحمله جماعة من الناس الى المسلمين الذين يشكلون هذا المجتمع الذي وصفناه.. فيؤمن به بعض من وصل اليه ولايؤمن به آخرون كما لايتقبل بعضهم حتى مبادئه الاولية كما ان بعضهم الآخر يحاربه ويحارب من يحمله وربما يشنع عليهم ولكن الله سبحانه وتعالى دائما ينصر من ينصره.
الناس من حول الدعاة اذن يتشكلون باشكال والوان ويميلون مع كل ريح وتتقاذفهم الامواج فهم يتأثرون بما هب ودب من الافكار الوافده بما فيها من تناقضات.. يتأثرون بها دفعة واحدة او في فترات متباعدات، وقد تراهم وهم الغالبية العظمى يصفقون ويهللون من دون فهم وقد يقفون مكتوفي الايدى خائفين وجلين لايدركون المطلوب ولايقدرون المصير.
ان المفروض ان يكون الداعية قد وعى هذه المناظر وعرف حقيقتها ونحن نستغرب جدا الايكون الداعية مدركا لهذه المعاني كما ان الاستغراب يبلغ درجة الهلع اذا وجدنا الداعية يكتب بفكر الغرب ديمقراطيا او وجوديا او قوميا.. ادبا كان حديثه او فلسفة… فهل ان الاسلام لايعالج هذا النوع من الفكر او ان هناك تسيبا وتقصيرا قد يؤدى الى ان ينقلب حامل الاسلام الى حامل الكفر.
ايها الدعاة الميامين: كونوا على حذر من ان يتسرب اليكم السم القاتل ـ الفكر الغربي ـ من حيث لاتشعرون.
واما ما نقوله عن النقطة الثانية فانه يجب على الداعية أن يتسلح بالمعرفة الاسلامية كما يجب على الدعوة توفير هذه المعرفة للدعاة الذين يريدون ذلك ونقول هنا ماقلناه سابقا مكررا: إن المعرفة التي تريد الدعوة ان تتوفر لدى المجتمع الاسلامي تكون على ثلاثة منازل يحملها ثلاثة اصناف من الناس. المنزلة الاولى تكون بمستوى اعتناق العقيدة الاسلامية واعتبارها وحدها المطلوبة تصديقا لقوله تعالى وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وان الاسلام نظام كامل للحياة مستوف لكل الحاجات التي يطلبها الانسان بعض ذلك على التفصيل وبعضه على وجه الاجمال تصديقا لقوله تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾. وان هذا الاسلام هو وحده الذى يجلب السعادة للبشر ويمكنهم من الحياة الرغيدة الهانئة وذلك مصداق قوله تعالى إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴿٩﴾. وان احكام هذا الدين لا تتبدل ولاتتغير لأنها من الله تعالى وليس لأحد من البشر ان يبدلها او يأتي بقانون غيرها وذلك مصداقا لقوله تعالى يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ۗ. و قوله ﷺ:
”حرام محمد حرام الى يوم القيامة وحلاله حلال الى يوم القيامة“.
ان مجموع هذه المفاهيم تشكل المنزلة الاولى من الثقافة التي تنشدها الدعوة وتريد نشرها وتعميمها.. والصنف الذي يحمل هذه العقيدة هم جميع الناس وعامتهم بحيث لايبقى احد الا وهو يعرف هذه المعرفة، ذلك لأن معنى المجتمع الاسلامي ان يكون الناس معتقدين بهذه المفاهيم مؤمنين بها. طبعا نحن لاننكر ان يبقى من لايؤمن بهذه المفاهيم داخل المجتمع الاسلامي عنادا واستكبارا ولكن يبقى على مستوى المنافقين الذين يفضحهم الزمن وتفضحهم الحوادث.
لسنا نريد ان نتحدث عن طبيعة المجتمع الاسلامي ولكن المقصود ان المطلوب في هذا المستوى ان يكون المجتمع مؤمنا بهذه المفاهيم ولايؤمن بغيرها.
اما المنزلة الثانية من المعرفة فهي ان يكون المرء قادرا على البرهنة على تلك المفاهيم. قادراً على ان يدحض الفكر الشيوعي او الديمقراطي او القومي او الوجودى بالحجج والبراهين فهو يستطيع ان يبرهن على احقية نظام الاسلام.. السياسي والاقتصادى والاجتماعي. ومعرفة ذلك معرفة تامة، كما لابد ان يتوفر على فهم بعض الاحكام الاسلامية في الفروع.. فالمطلوب ان يكون قدتفهم احكام العبادات مثل الصلاة والصوم واحكام المعاملات مثل البيع والاجارة واحكام المزارعة واحياء الموات من الارض واحكام الديات والقصاص واحكام القضاء والحكومة وغيرها من الاحكام المعروفة، كما لابد ان يتعرف على العقيدة الاسلامية بمستوى ادنى الكتب الاسلامية، كما لابد من معرفة احوال العالم الاسلامي بصورة خاصة واحوال العالم جميعه بصورة عامة من الناحية السياسية والاقتصادية، كما يجب توفر معلومات كافية عن تاريخ المسلمين السياسي والتاريخ الاسلامي بصورة عامة.
ان المعرفة في هذا المستوى تتفاوت كثيرا فبعض حاملي المعرفة من هذا النوع يكون بدرجة الاستاذ وبعضهم بدرجة التلميذ ولكن على اى حال تتوفر هذه المعرفة بشكل لابأس به.
والصنف من الناس الذين يجب ان يحصلوا على هذه المعارف هم الدعاة، الدعاة جميعا لانستثني منهم احدا. حيث ان الداعية ليس هو من حمل الاسلام عقيدة ودعا اليها بل هم عامة الناس كل الناس يجب ان يكونوا من حاملي الاسلام الداعين اليه. اما الداعية فهو المسلم الذي يدعو للاسلام بالبراهين، بالمعرفة وهو الذي يعرف تفصيل ما يدعواليه (طبعا الشروط التي يجب توفرها بالداعية كثيرة ولكن نحن نتحدث هنا عن المعرفة).
اما المنزلة الثالثة من المعرفة فهي معرفة الاسلام من مستوى الاجتهاد. ان المجتمع الاسلامي لا يمكن ان يقوم من حيث الفكر والفلسفة والقانون الّا بوجود مرتبة الاجتهاد في المعرفة والدعوة لابد ان يحصل لديها الاجتهاد في الاحكام الاسلامية، ومعنى ذلك ان بعض الدعاة لابد ان يكونوا مجتهدين فيعطون الفتوى في هذه المسائل او ان بعض المجتهدين الذين يسلكون سلوك الدعوة في العمل الاجتماعي ويرتبطون معها بشكل من اشكال الارتباط هم الذين يقومون بهذا العمل. ومن هنا فان الدعوة بوصفها كتلة سياسية تكون مالكة للقدرة الاجتهادية في مسائل الشريعة التي تحتاجها في عملها والتي يتوقف عليها تكوين الدولة الاسلامية او استمرارية وجود الدولة ولذا قلنا بان الدعوة هي التي يجب ان تملك هذه المعرفة وليس على كل داعية مثلا او على اغلب الدعاة ان يملكوها.
اما المستوى الاجتهادى فان له الطريق الواضح المتوفر. واما المستوى الثاني فان على الدعوة ان تصدر الكتب والمؤلفات في هذا الصدد وان تسهل طلب العلم والمعرفة على الدعاة.
ومع وجود الاجواء العلمية الخاصة فان الدعوة لاتألو جهدا في تهيئة الفرص وايجاد المجالس العلمية وهذا امر يحسه الدعاة ويعرفونه. ولانريد ان نقول اننا بلغنا حد الكفاية ولكننا نقول ان توفير المادة العلمية لابد منه دائما وفي كل مكان وفي الحقيقة ان طالب العلم لابد ان يبذل في سبيله الجهد ولابد ان يكون الداعية بمستوى طالب العلم.
ان الداعية تلميذا او استاذا او تاجراً او كاسبا او اياكان لابد ان يعتبر طلبه للمعرفة الاسلامية امرا ضروريا شبيها بحضوره للحلقة. يجب ان يبذل لها الوقت ويترك في سبيلها الراحة ومالم يكن الداعية بهذا المستوى من بذل الجهد فسوف لايحصل على المعرفة الاسلامية الكافية.
ولنعد الى النقطة الثالثة في واجب النشرة التي لابد من توفرها على دراسة مشاكل الدعوة داخليا. ولغرض التوضيح اكثر نقول: ان الناحية الفكرية في الدعوة تتشكل من عدة خطوط رئيسية: فمنها معرفة العمل الرتيب الذى يقوم به الداعية ومعرفة علاقته بالامة وكيف يتصل في الامة ويؤثر فيها.
ومنها دراسة شؤون مستقبل الدعوة وتوضيح معالم الطريق.
ومنها التوفر على حل المشاكل والحوادث التي تقع داخل الدعوة والتي تقع بين الدعاة والاشخاص الآخرين سواء كان هؤلاء الآخرون يمثلون كتلا سياسية او يحتلون مراكز اجتماعية مهمة او غير ذلك.
ان معرفة الامور التي هي مشاكل الامة الواسعة من اهم ما يجب معرفته في رسم خط السير.وان السلوك الدعوتي الذي يجب ان نعرف اصوله لايمكن الا بدراسة.
وان معرفة هذا الخط تتوقف على فهم كيفية التأثير في المجتمع والتفاعل معه في نفس الوقت الذي ندرس فيه شؤون الحزب نفسه والتبصر بقضايا الدعاة.
وان فهم التفاعل الاجتماعي ودراسة شؤون الحزب تتوقف على دراسة ثقافة واحوال الاحزاب والكتل الاسلامية بصورة خاصة ودراسة ثقافة واحوال العالم الاسلامي عامة.
لابد ان يلاحظ الدعاة الميامين ان هذه دراسات مخصوصة دراسات حزبية ترمي لتمرينهم على العمل الحزبي الافضل، وبعبارة اخرى تحاول هذه الدراسات جعلهم الحزبيين الواعين على العمل التغييري الافضل في الوسط الاجتماعي وفي داخل الحزب. ومما لاشك فيه ان الدعوة تحتاج الى دراسات واسعة اخرى تشمل المعرفة في جميع المنازل الثلاثة التي مرذكرها. الا انه ينبغي ان يتوضح الفرق بين هذه البحوث الاسلامية العامة والواسعة النطاق وبين تلك البحوث المخصوصة التي ترسم خط السير.
ايها المجاهدون:
ان صوت الدعوة هي النشرة التي تبحث واياكم مشاكلكم الدعوتية التي نصادفها دائما وهي تحمل الفكر النير الذى يضيء الدرب ولكنها مع ذلك تكون حبرا على ورق اذا لم تشحذ الهمم ولم تدفع للأمام. وشحذ الهمة والسير للامام لابد فيه من تحرك الداعية نفسه وتنفيذ التزاماته وتحمل مسؤولياته كاملة. وهكذا يكون التغيير الاجتماعي وبهذا يوجد في المجتمع فكر نير وجماعة مؤمنة صادقة الايمان ولابد ان يعزز ذلك توفيق من الله.
فيا ايها المجاهدون:
ترسموا الخط الذي ترسمه صوت الدعوة النبراس وتبينوا معالم الطريق الذي تضعه لكم فهي الدليل ولكنها لاتستطيع ان تضعه كشريط سينمائي مامكم فانتم تحددون بعد ذلك التفاصيل وتمشون مهتدين غير ضالين في الطريق ان شاء الله، ومع كل ذلك فلا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم عليه توكلنا واليه انبنا واليه المصير.