الخط الفكرى الملتزم
يشكل الجانب الفكرى والثقافي بوجه عام جزءا اصيلا من كيان الدعوة. ذلك ان في هذا الجانب تتحدد اهداف الدعوة وشخصيتها المعنوية، وتثبت فكرتها ونظرتها الفلسفية كما ان في هذا الجانب تتقرر خطوط الدعوة العملية ومناهجها التربوية ونظمها الاجتماعية وقيمها ومثلها الاخلاقية.
ويمكن تقسيم ثقافة الحزب الى اقسام ثلاثة:
-
الخطوط الاساسية للعقيدة الاسلامية وما يتفرع منها من مفاهيم وافكار وما قرر الاسلام من قيم ومثل اخلاقية. والعقل هو اداتنا للوصول الى العقيدة والى فهم القرآن والسنة للوصول الى الافكار والمفاهيم.
-
الاحكام الشرعية التي يقوم عليها بناء الكيان الاسلامي، وكل قضية عملية يحتاج التبني فيها الى معرفة الحكم الشرعي ازاءها. ولايخفى ان مصادر التشريع التي سبق ان ذكرت في الاسس هي المصادر العليا لهذا النوع من المتبنيات.
-
القضايا التنظيمية والمسائل الفنية التي لها علاقة بتنمية الدعوة كما وكيفا في قضاياها الداخلية وتأثيراتها الخارجية وعلاقاتها العامة ويرجع فيها الى ذوى الخبرة والاختصاص من الدعاة والى الخبرات الخاصة المستفادة من تجارب العمل وتجارب الآخرين وعلى ضوء التشريع الاسلامي.
الحدود التي نتقيد بها:
والداعية بعد ان آمن بالخطوط العامة لفكرة الحزب واهدافه وطريقته اندمج بهذا الكيان الحي المفكر الواعي واصبح من هذا الوجود الفكرى والعاطفي الواحد.. كثيرا ما تنقدح في ذهنه بعض الخواطر والافكار ذات الصلة والعلاقة بمتبنيات الحزب من قريب او بعيد. والمألوف في هذه الحالة ان تزداد ثروة الحزب الفكرية وتتسلط احزمة اضواء جديدة على سبل العمل.. في المناطق التي يظهر فيها المفكرون وذوو المواهب من دعاتنا الميامين.
وهناك بعض الحالات الخاصة يظهر فيها فكر تختلط فيه افكار الدعوة مع افكار متأثرة بمؤثرات ظرفية او فردية خاصة. وعليه سنوضح الحدود التي ينبغي ان نتقيد بها في انتاجنا الفكرى ليكون هذا الانتاج قوة عاملة جديدة تضاف الى القوى الموجودة وبنفس الاتجاه. فما هي هذه الحدود؟
هناك اتجاهان احدهما يلتزم بالمركزية والآخر يلتزم باللامركزية ولكل منهما حسناته وسيئاته، فان انتهاج خط المركزية في مجال الفكر من شأنه ان يضبط الحزب في وحدة فكرية محدودة، ويصوغ ذهنيات الافراد في قالب فكرى واحد يعكس ثقافة الحزب واهدافه، غير ان الالتزام الصارم بهذا الخط من شأنه ان يعطل الطاقات الفكرية ويجمد المواهب الذهنية عن التفكير والابداع والانتاج ويحولها الى اجهزه ترديد تحكي ما تبناه الحزب من مفاهيم وافكار وتتحول العمليه الى تزويق لفظي يموت تأثيرها، مضافا الى ذلك فأن الالتزام بهذا الخط الى هذا الحد في هذا المجال من شأنه ان يضعف ثقة الاعضاء بشخصياتهم وينمي روح التبعية والانقياد في ذواتهم، الامر الذي لاينسجم والمهام القيادية التي انيطت بكل واحد منهم.
واما الخط الآخر ونعني به اللامركزية فانه في الوقت الذي يعالج فيه اخطاء المركزية الا ان الالتزام به من شأنه ان يقضي على وحدة الحزب الفكرية ويحولها الى ما يشبه الفوضى التي قد لا تقف عند حدود، وبذلك يتحول الحزب الى جماعة ذات اتجاهات فكرية مختلفة تجمعها مشاعر وعواطف عامة واحدة.. ولذلك فان الموقف السليم الذي يختاره حزبنا المجاهد في هذا المجال هو الخط الذي من شأنه ان يوفر للحزب محاسن الخطين المذكورين ويجنبه اضرارهما بقدر ما تسمح به طبيعة العمل الحزبي المنظم.
وللتوضيح نقسم المسائل الى القضايا التالية:
-
القضايا التي اعطى الحزب رأيه فيها بشكل صريح محدد
-
القضايا التي اعطى الحزب رأيه فيها على شكل خطوط عامة.
-
القضايا التي لم يعط الحزب رأيه فيها.
اما بالنسبة للنوع الاول من هذه القضايا فالمفروض بالداعية ان يلتزم بما يتبناه الحزب بشأنها بحكم ايمانه بالحزب وارتباطه واذا كان له رأى آخر فيها فما عليه الا ان يرفع رأيه الى الحزب موضحا وجهة نظره مع الادلة التي يستند اليها، وهناتكون الاجهزة المعنية في الحزب مسؤولة عن اعادة النظر في الرأى المتبنى ودراسة رأي الداعية وموافاته بالجواب. واذا كانت نتيجة الدراسة اختيار رأى الداعية فينبغي تصحيح الرأي السابق للحزب وتعميمه على الدعاة بالطرق الاصولية. اما اذا كانت النتيجة عدم الاتفاق وكانت المسألة من القضايا الاساسية التي يتوقف مواصلته مع الحزب على الايمان بها فليس امام الداعية الا الاجتهاد في استيعاب رأى الحزب والعمل بمقتضاه، والا فهو بالخيار. هذا اذا كان الموضوع دخيلا في الخطوط الاساسية للعمل. أما اذا كانت من المسائل الجزئية الفرعية ولم يحصل الوفاق بين الداعية والحزب بشأنها كان على الداعية الاحتفاظ برأيه لنفسه وعدم اظهار معارضته العلنية لرأى الحزب المعلن حتى يتبين له الحق فيه.
واما بالنسبة للنوع الثاني وهي القضايا التي اعطى الحزب رأيه فيها على شكل خطوط عامة فهي تحتاج الى شرح وتفاصيل عادة والمفروض في مثل هذه القضايا ان يتعرف الداعية على مثل هذه الشروح والتفاصيل من الحزب او بتوجيهه ويفسح المجال هناعلى مصراعيه للدعاة من ذوى القدرة والكفاءة للقيام بهذه العملية على ان لاتكون بعيدة عن توجيه الدعوة واشرافها.
واما القضايا التي لم يعط الحزب رأيه فيها فهي اما ان تكون تفاصيل لمفهوم عام اصيل في الدعوة كالالتزام بالاسلام وتعاليمه جملة وتفصيلا، والذي يحوي فيما يحويه الالتزام بما اوجب الله على عباده من احكام وضعها الفقهاء مفصلة في كتب العبادات فان اكثر هذه العبادات والتي لاعلاقة لها بسياسة الدولة تترك الدعوة امرها الى الدعاة انفسهم كل يرجع فيها الى اجتهاده او مرجعه الخاص في التقليد تبعا لامكاناته العلمية في هذا المجال، لأن هذه القضايا خارجة عن مهمة الحزب كتنظيم اجتماعي، ولان الالتزام بتبنى رأى من الآراء قد يعيق المهمة الكبرى التي نذرت الدعوة نفسها لها وهي اعادة حكم الله في الارض في جميع المجالات. وإما ان تكون مفاهيم واحكاما وافكارا لم يتسن للدعوة وضعها امام الدعاة بعد، فان الدعوة تفسح المجال واسعا للدعاة للتفكير فيها.
والدعاة جميعا مدعوون للبحث والدرس والتنقيب وعرض نتاجهم على الدعوة، فمن نتاجهم ما يعرض للامة كثقافة عامة ومن نتاجهم ما يعطى للدعاة لتثقيفهم وتوسيع آفاقهم. وللدعوة في هذه الحالة الرأى في الموضوع ووضعه مكانه الملائم المناسب ولايتصرف الداعية ازاء نتاجه الا من خلال توجيه الدعوة.
ولا يفوتنا ان نذكر اخواننا الدعاة الميامين الى ان الدعوة امانة مقدسة بايدينا جميعا، والالتزام بثقافة الحزب والحفاظ على متبنياته الخاصة في حدود ما قرر من خطوط من الزم ما يجب علينا المحافظة عليه والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم.
فيا ايها الدعاة المجاهدون: