الخطة الامريكية في الشرق الاوسط

صدر في ذي القعدة ١٣٩٧ هجري

مقدمة

الاهتمام بالاحداث السياسية:

الداعية يهتم بالاحداث السياسية لأنها جزء من عمله.

  • أ. جزء من الاهتمام بأمور المسلمين.

  • ب. جزء من توعية الناس على الاسلام مقابل الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي والفكر الاقليمي والفكر القومي.

  • ج. جزء من توعية الناس على أوضاعهم.

  • د. جزء من العمل لبناء الدولة الاسلامية.

  • ه. معرفة اعداء الاسلام داخل بلاد المسلمين يحتاج الى فهم سياسي.

  • و. معرفة اعداء الاسلام خارج بلاد المسلمين يحتاج الى فهم سياسي.

  • ز. معرفة اعداء العمل الاسلامي خارج بلاد المسلمين يحتاج الى فهم سياسي.

ولذلك لايجوز مطلقا ان يقصر الداعية في هذا المجال وان التقصير فيه تقصير في حق العمل الاسلامي.

والاهتمام بالاحداث السياسية مقدمة للفهم السياسي الذي ينبغي ان يتصف به كل الدعاة.

الفهم السياسي:

الفهم السياسي هو (ادراك ما يحدث في العالم) وبالنسبة للداعية ينصب اهتمامه على فهم ما يحدث ويؤثر في بلاد المسلمين. والفهم السياسي يعتمد على عنصرين: المعلومات السياسية والمنطق السياسي.

المصدر الرئيسي للمعلومات السياسية:

الصحافة هي مصدر الداعية الرئيسي للمعلومات السياسية. وينبغي تمييز ما ينشر في الصحافة، فهناك في العالم الرأسمالي خاصة صحف تعتمد على الخبر المثير الذي يجذب انتباه القارىء لا على ما يحدث في الخارج حقيقة. وقد بلور هذا الاتجاه في الصحافة العربية الصحفيان على ومصطفى امين ثم تلميذهما محمد حسنين هيكل. وهناك صحافة تعبر بموضوعية نسبية عما يحدث في العالم من خلال وجهة نظر السياسة العامة في بلادها مثل جريدة نيويورك تايمس الاميركية وجريدة اللوموند الفرنسية وجريدة التايمز البريطانية وجريدة البرافدا الروسية وجرائد الاحزاب الشيوعية في الدول الشيوعية. وفي مثل هذه الجرائد تقرأ معا الخبر السياسي والتفسير السياسي الذي يعبر عن البيئة السياسية التي تعيش فيها الجريدة. وهناك مجلات سياسية تعبر عن فئات سياسية معينة بأن تمثلها او تكون قريبة منها.

اهم ما في المعلومات السياسية:

  • أ. فضح الخطط السياسية للدول الاستعمارية من قبل الدول المعارضة لها. فالصين الشيوعية تفضح الخطط الروسية والخطط الاميركية. وروسيا تفضح الخطط الاميركية والخطط البريطانية. واميركا وبريطانيا يفضحان الخطط الروسية.. وهكذا.

  • ب. التحركات السياسية لساسة الدول الكبرى، فمن التحركات ما يقصد بها الاستطلاع والاتصال المباشر بالحكام, ومنها ماهو تنفيذ لخطط استعمارية.

  • ج. التفسيرات السياسية التي يكتبها السياسيون والصحفيون المعروفون بالفهم السياسي.

  • د. الآراء السياسية التي يبديها السياسيون والصحفيون المعروفون بالفهم السياسي.

  • ه. التقارير السياسية التي تكون مقدمة لخطط سياسية بعد ان تتبلور فيها الآراء وتتجمع، ومنها ماتكون جمعا لمعلومات معينة. ومنها ما تكون دراسة لقضية سياسية.

التقرير الاميركي حول القضية الفلسطينة

من اهم التقاير السياسية التي نشرت في الاشهر الاخيرة هذا التقرير الاميركي الذي يبلور رأي اميركا في القضية الفلسطينية التي هي قضية المنطقة والذي ننشره لأهميته حيث يمثل الخطة الاميركية التي يتم تنفيذها في المنطقة. ويلي التقرير تعليق عام عليه يكون نموذجا لفهم التقرير بأجمعه وفهم التقارير السياسية الاخرى.

نص التقرير:

اولا: المصلحة الاميركية

ان للولايات المتحدة الاميركية مصلحة رئيسية في قيام سلام دائم في الشرق الاوسط وذلك للاسباب التالية وهي ليست كل الاسباب.

اولا: ان تصاعد التوتر في الشرق الاوسط الذي يعني بالخبره أنه سيكون مؤكدا في غياب أية تسوية قد يؤدي الى حرب عربية اسرائيلية اخرى كما قد يستدرج مجابهة كبرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبالتالي الى تعظيم التوتر بين الشرق والغرب والى تهديد الجهودالاخيرة المتعددة الاطراف والرامية الى ايجاد استقرار دولي اكبر. ان الولايات المتحدة بصفتها موقعة على ميثاق الامم المتحدة وبصفتها عضوا دائما في مجلس الامن الدولي تتحمل مسؤولية كبرى في المحافظة على السلام والامن العالميين.

ثانيا: ان للولايات المتحدة مصلحة قوية في امن واستقلال ورفاه اسرائيل والدول العربية في المنطقة كما انها صديقة الطرفين.

ان امن هذه الدول وتطويرها المستقبلي سيبقيان عرضة لمهب الريح الى ان يتم عقد التسوية. ان الطرفين العربي والاسرائيلي سيتعرضان للأذى الكبير اذا ما وقعت حرب جديدة يجري فيها التقاتل بالاسلحة المتقدمة والمتوفرة لديهما.

ثالثا: ان للولايات المتحدة مصلحة قوية في الاستمرار الدائم لتدفق نفط الشرق الاوسط اليها والى حلفائها الاوروبيين واليابانيين خاصة وان هؤلاء الحلفاء أكثر اعتمادا على هذا النفط ففي حال قيام حرب عربية اسرائيلية اخرى اوحتى نشوء أزمة قريبة من ظروف الحرب فان تدفق النفط العربي على هذه الاسواق قد يتعرقل.

رابعا: ان للولايات المتحدة مصلحة متزايدة وهائلة في المتاجرة وفي استثمار الاموال وفي الاتصالات عبر المنطقة كلها.

خامسا: ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في اقامة استقرار عالمي متوسع وفي المساعدة على توطيد التلاحم الاقتصادي المتزايد بين الدول قد تتعرقل مادامت امكانات حصول النزاعات والمجابهات قائمة في هذه المنطقة التي تتكاثر فيها المصالح القومية المتنافرة. ان المصالح الاميركية متلاحمة مع مصالح دول هذه المنطقة.

ثانيا: ماهو المطلوب من التسوية؟

اذا كان من الضروري للمصالح الاميركية ولمصالح الفرقاء المعنيين في النزاع ان يجري البحث عن التسوية المقبولة لدى الجميع والتي تلزمهم بالحفاظ عليها فما هي المطالب التي يجب ان تنفذ؟

اولا: ان المسعى نحو التسوية الذي قوي على أثر انتهاء حرب ١٩٦٧م مباشرة ثم عاد فضعف بالتدريج. قوي من جديد على أثر حرب ١٩٧٣م واستمر على ذلك عبر اتفاق سيناء المعقود في ايلول ١٩٧٥م. لذلك فمن الضروري الابقاء على هذا المسعى. ان عدم التحرك الطويل والفشل في التقدّم بخطى وئيدة خلال اشهر قد يؤديان الى زيادة التوتر وقد يقودان الى تجدد النزاع. ليس من الحكمة ولا الامر يخلو من الخطورة ان تجري محاولة ابقاء الوضع مجمدا الى أي مدى مستقبلي. ربما يجوز القول ان هذا الاختيار ليس هو الافضل. ولكن حتى ولو تعرقل ايجاد النتائج بسرعة يجب المحافظة على المسعى المؤدي الى التفاوض. وفي غياب التقدم فان عراقيل التسوية قد تتصلب من جديد فيما يجري استبدال السياسات المعتدلة والسياسيين المعتدلين بسياسات وبزعماء اكثر الحاحا وهذا ما يؤدي الى الخطر على امن جميع الاطراف ونتيجة لخطأ الجميع في التصرف عند سناح الفرصة.

ثانياً:على صعيد آخر فان الشروط الاساسية مواتية الآن للتسوية اكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى او مما ستكون عليه في المستقبل القريب. ان جميع الدول العربية المتاخمة لاسرائيل قد اعترفت جميعها علنا بوجودها، كما أعلنت عن استعدادها ضمن شروط خاصة جداً لأن تفاوض على تسوية دائمة. هناك دلائل متوفرة منذ حرب ١٩٧٣م على استعداد اسرائيل للتفاوض اما على خطوات مرحلية اخرى او على تسوية معقولة بما في ذلك تلك التي تأخذ في الاعتبار المشكلة الفلسطينية.

لقد برهنت الولايات المتحدة على انها تعترف بمصلحتها الخاصة الرئيسية في الانهاء القريب للنزاع وفي قيام سلام دائم وذلك بمشاركتها الفعلية في المفاوضات التي جرت منذ حرب ١٩٧٣م وعبر ضماناتها ومساهماتها القوية التي قدمتها وكذلك عبر اعلانها المتكرر عن اعتقادها بأن كل هذا ليس الا خطوات على طريق التسوية المعقولة.

ثالثا: منذ حرب ١٩٧٣م كان التشديد دائما على الخطوات المرحلية الرامية الى تخفيف التوتر والى التحرك التدريجي نحو تسوية معقولة. ان الخطوات المرحلية لها محاذيرها وايجابياتها الا انه يبدو الآن ان خطوات جديدة من هذا النوع قد لاتبدو حسنة النتائج في المستقبل القريب فاذا ما اريد لمساعي التفاوض ان تبقى قائمة وان يجري تجنب تطويل عدم التحرك الحالي فان الجهود الرامية الى تحقيق السلام يجب ان تتركز بعد اليوم على التفاوض من اجل الوصول الى تسوية معقولة لا تتضمن من الخطوات المرحلية الا تلك التي تعتبر تحضيرا اساسيا لهذا التفاوض.

رابعا: ان القاعدة الاساسية لأية تسوية يجب ان يجري التفاوض حولها ان توفق بين المطلب الاسرائيلي في السلام والامن والمطلب العربي بالانسحاب من اراض احتلت عام ١٩٦٧م وتقرير المصير الفلسطيني، ان تلبية المطلب الاسرائيلي من شأنه ان يشمل تعهدات ملزمة للدول العربية بشأن السلام المستقر وهذا يعني التعهد بالاعتراف وباحترام سيادة اسرائيل والامتناع عن التهديد باستخدام القوة ضدها والامتناع عن القيام بأية اعمال عدائية ضدها وان يجري التطوير المتدرج نحو اقامة علاقات دولية واقليمية وسياسية واقتصادية معها.

ان تلبية المطلب العربي من شأنه ان يشمل الانسحاب الاسرائيلي الى حدود ٥ حزيران ١٩٦٧م ولكن مع اجراء تعديلات بما فيها الترتيبات الخاصة بشأن القدس بحسب مايمكن الاتفاق عليه كما من شأنه ان يشمل حق الفلسطينيين في تقرير المصير بشكل او بآخر بما ينسجم مع المطالب الاسرائيلية المشار اليها اعلاه. ان المطلب العربي بالأمن يمكن تحقيقه باحقاق المعاملة بالمثل في التعهدات المشار اليها في الفقرة السابقة.

خامسا: حتى يقتنع الطرفان باعطاء التنازلات التي يتطلبها هذا التدبير الضمني بين السلام والانسحاب سيكون من الضروري التنفيذ على مراحل خلال سنوات فيما يجري عقد اتفاقات معقولة للسلام تتضمن سلسلة طويلة من الالتزامات. ان الاتفاقات ستنص صراحة على هذه المراحل ولن يجري البدء بأية مرحلة الا بعد تنفيذ جميع الالتزامات التي نصت عليها المرحلة التي قبلها، وفي هذا الترتيب فان الانسحاب الاسرائيلي وكذلك الاتجاه العربي نحو اقامة العلاقات الطبيعية سيعملان وكأنهما متوازنان اما اذا ما حصل خلال تنفيذ اية مرحلة خطا من أي جانب في تنفيذ الترتيبات المتفق عليها فان الجانب الآخر يستطيع ان يوقف تنفيذ ما يتوجب عليه. وعلى هذا يتوجب انشاء لجان ثنائية او جماعية في هذه الاتفاقات للاستماع وللتحقيق في الشكاوى حول الخطأ المشكو منه في تنفيذ الاتفاقات ولحل الخلافات الناشئة خلال ذلك التنفيذ المرحلي.

سادسا: مما لا شك فيه ان هناك مطلبا آخر وهو الدعم الدولي وكذلك الضمانات والتدابير والمساعدات الدولية في دعم وتأييد اتفاقات السلام وسيكون من المفضل ان يدعم مجلس الامن الدولي هذه الاتفاقات واذاما نصت هذه على مناطق معزولة السلاح فالمتوقع من الامم المتحدة ان توفر قوات سلام دولية او مراقبين للاشراف على هذه المناطق. من المتوقع ان يكون هناك مطلب اضافي يقتضي قيام ضمانات ثنائية او جماعية من جانب دولة عظمى أو أكثر. على الولايات المتحدة ان تكون مستعدة لتقديم مثل هذه الضمانات التي تكون فعالة وضرورية لتحقيق التسوية.

ان التسوية الدائمة تحتاج كذلك الى الدعم عبر التدابير التي تنهي التسابق الى التسلح في المنطقة. والى ان يجري اتخاذ التدابير الآيلة الى ذلك سيبقى هناك مطلب دائم بتصدير السلاح الى الفرقاء المعنيين حتى يتقوى شعورهم بالاطمئنان. كذلك ستكون هناك حاجة الى مساعدة اقتصادية كبيرة لعدد وفير من الفرقاء وكذلك اللاجئين المرحلين الذين يعاد اسكانهم.

سابعا: واخيرا وانطلاقا من خبرة السنوات الخمس والعشرين الماضية من الواضح ان الفرقاء قد لايكونون قادرين على التفاوض على تسوية دائمة ومعقولة اذا لم تجر مساعدتهم في ذلك. هناك تشنجات سياسية ونفسانية قوية ضمن كل دولة او حركة ليس من المؤكد تجاوزها كليا في الوقت الحاضر حتى ولو رغبت الحكومات ورغب الزعماء في ذلك. كلهم يحتاجون الى المساعدة في ذلك وفي هذا المجال بالذات فان الدول الكبرى تجد امامها فرصة للعمل ذات نتائج قوية وفعالة ولا سيما الولايات المتحدة بسبب ما توحيه من ثقة للطرفين وبسبب قدرتها على مساعدتهما اقتصاديا وعسكريا. والمعونة السوفياتية هي ايضا ستكون مرجوة جدا ما دام الاتحاد السوفياتي راغبا في ممارسة دور بناء.

ان هذه المطالب الرئيسية السبعة من اجل التسوية هي التي يجري الحديث المفصل عنها في الاقسام التالية.

ثالثا: العناصر الرئيسية للتسوية

القبول المتبادل والعلاقات السليمة. على اتفاقات السلام ان تتضمن تعهدات متبادلة ملزمة من جانب جميع الفرقاء المعنيين بالتسوية لاحترام السيادة والاستقلال والسلامة الاقليمية للآخرين بالقوة المسلحة. وعليها كذلك ان تتضمن تعهدات من جميع الاطراف المعنية بالتسوية لانهاء الاعمال العدائية في ما بينها بما في ذلك التدخل العسكري والدعايات السياسية الداعية الى القيام بأعمال عدائية والحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية واقامة الحواجز في وجه تحرك السفن والبضائع والبشر. وعليها ايضا ان تتضمن التقدم المستمر وعلى مراحل مدروسة نحو تطوير علاقات سياسية واقتصادية دولية واقليمية وكذلك علاقات التعاون. ان الاعمال المتبادلة من جانب الاطراف المعنية التي تظهر التقدم نحو العلاقات الطبيعية هي جزء أساسي جدا من تنفيذ التسوية.

الفلسطينيون

ان معظم الفلسطينيين يؤمنون بحقهم في تقرير المصير. ومن اجل ان تنفذ تسوية السلام بل ومن اجل التفاوض حولها والاتفاق عليها يتوجب الاعتراف بهذا الحق مبدئيا ثم وكجزء من التسوية ان يتنفذ عمليا. وكائنا من كان الذي سيمثل الفلسطينيين يتوجب عليه ان يعترف بالحق نفسه في تقرير المصير لاسرائيل والاردن او بصفة خاصة فان الفلسطينيين يجب ان يعترفوا بسيادة اسرائيل ضمن حدود متفق عليها وان يقبلوا بأية تدابير امنية وضمانات متبادلة وبمناطق معزولة من السلاح او بوجود الامم المتحدة حسبما تنص عليه تسوية السلام. ان تسوية كذلك لايمكن ان تتحقق الا اذا قبلت اسرائيل مبدأ حق تقرير المصير للفلسطينيين وكذلك الوسائل المتفق عليها عموما في التنفيذ العملي لهذا المبدأ. ان احتمالات تنفيذ ذلك قد تتضمن:

اولا: قيام دولة فلسطينية مستقلة تقبل بالالتزامات والتعهدات التي تنص عليها تسوية السلام.

ثانيا: قيام دولة فلسطينية تتحد بارادتها الكاملة مع الاردن وتمارس الاستقلالية السياسية القوية التي عرضها الملك حسين. ان أيا من هذين التدبيرين قد يتعزز بتعاون اقتصادي وثيق مع الاردن واسرائيل وربما يتطور الى سوق مشتركة اقليمية اوسع. وفوق ذلك فان تسوية السلام يجب ان تتضمن شرطا يتعلق باعادة اسكان اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة الى أي نوع من انواع الدولة الفلسطينية المنوي تأسيسها وعلى التعويض المعقول من جانب اسرائيل على اللاجئين العرب الذين خسروا املاكهم ومن جانب الدول العربية على اليهود الذين كانوا مقيمين في الدول العربية وكذلك على المساعدة الاقتصادية الكافية للدول التي يتحقق فيها تنفيذ تقرير المصير الفلسطيني وذلك من جانب الدول المجاورة ومن الاسرة الدولية من اجل تمكين هذه الدولة من العيش ومن تطوير نفسها.

ان تنفيذ هذه النواحي الرئيسية من التسوية يتعقد من خلال عدم الاتفاق وعدم الاطمئنان إلى هوية اولئك الذين يستطيعون ان يفاوضوا بسلطة كاملة باسم الفلسطينيين. ففيما قبلت الدول العربية في قمة الرباط عام ١٩٧٤م بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للفلسطينيين وفيما قبلت دول اخرى عديدة هذا الامر ايضا. فان هذا الامر ليس بلامعارضة.

ان هناك اردنيين كثيرين لايزالون يعتبرون ان للاردن الحق الافضل لهذا التمثيل. وليس من الواضح مدى تمكن منظمة التحرير الفلسطينية من اجراء التفاوض باسم الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة او في الاردن فيما هي غير قادرة على الاتصال بهم. ان منظمة التحرير الفلسطينية لم تعترف علنا بحق اسرائيل في الوجود فيما اسرائيل لم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ولم توافق على اقامة دولة فلسطينية.

ومع ذلك يمكن القبول بوثوق بأن ايجاد حل للثقل الفلسطيني في النزاع يتطلب مشاركة من جانب ممثلين فلسطينيين مقبولين ويكونون مستعدين للقبول بوجود اسرائيل.

الحدود

ان المبادىء الاساسية المتحكمة بشؤون الاراضي في التسوية يجب ان تكون تلك الواردة في قرار الامم المتحدة الرقم ٢٤٢ المتخذ في تشرين الثاني ١٩٦٧م والتي قبل بها اكثر الفرقاء المعنيين أي (عدم القبول بضم الاراضي بواسطة الحرب) و(انسحاب القوات المسلحة الاسرائيلية من الاراضي المحتلة في النزاع الاخير) حرب ١٩٦٧م وحق جميع دول المنطقة في (ان تعيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها).

اننا نعتقد بأن على اسرائيل في سبيل حصولها على اقامة علاقات سليمة مضمونة مع جيرانها وعلى تدابير امنية معقولة بأن تقبل الانسحاب الى خطوط ٥ حزيران ١٩٦٧م ولكن مع اجراء تعديلات يجري الاتفاق بشأنها.

اما مسألة القدس فالحديث عنها يأتي منفصلا فيما بعد.

في الشرق الاوسط كما في أي مكان آخر من العالم فان الحدود الآمنة الوحيدة هي الحدود المعترف بها من جميع الاطراف أي انها الحدود التي يقبل بها جميع الاطراف المعنيين بحرية تامة. فما دام هناك اشكال حول ما يعتقدة أي من الاطراف المعنيين بأنه حدود مأخوذة او مضمومة بغير حق فمعنى ذلك ان هذه الحدود لن تبقى آمنة بسبب هذه الاشكالات. وهذا الامر صحيح ايضا في الحالة التي يجد فيها الاطراف المعنيون سبيلا الى السلاح المتطور بما في ذلك الصواريخ القادرة على ان تتخطى بسهولة الاراضي المتنازع عليها وان تقصف المدن في الجانب الآخر. ان الامن في منطقة تتقارب فيها مراكز السكن للاطراف المتنازعين الى حد بالغ لايمكن ضمانه الا باقامة علاقات سليمة طبيعية.

القدس

قضية القدس بصفة خاصة يصعب حلها لأنها تشمل عواطف جياشة من جانب الاسرائيليين و العرب على السواء. فهي تتضمن مواقع هي بين الاقدس بالنسبة للمسلمين واليهود والمسيحيين. لقد كانت قبلة انظار اليهود في نظرتهم الدينية كما ان لها معنى خاصا في التاريخ الاسلامي. لقد جرى الاقتتال المرير بسبب المدينة في حربي ١٩٤٨م و١٩٦٧م كما ان تقسيمها في سنوات ما بعد الحرب ترك آثارا عميقة متبادلة مع الاسف واخيرا فانها عاصمة اسرائيل وربما جرى جعلها عاصمة للدولة الفلسطينية.

لكل هذه الاسباب فان المسألة لها رمزها العالي للطرفين وبالتالي فربما كان من الحكمة ترك حلها الى مرحلة متأخرة من المفاوضات. ومهما كان الحل فان عليه ان يأخذ الاعتبار الحد الادنى من المسائل التالية:

  • أ. يجب الا تقوم اية حواجز تقسم المدينة.

  • ب. يجب ان يتوافر الدخول غير المشروط الى جميع الاماكن المقدسة على ان يكون كل من هذه الاماكن تحت رعاية ابناء الديانة المعنية.

  • ج. يجب الا تقوم اية حواجز تقسم المدينة وبالشكل الذي يمنع المرور الحر في داخلها.

  • د. كل فريق قومي ضمن المدينة يجب اذا رغب في ذلك ان يكون له استقلال ذاتي سياسي كبير ضمن المنطقة التي يشرف عليها.

ان كل هذه المسائل يمكن تنفيذها ضمن المدينة:

  • أ. سواء أكانت تحت اعتبار السيادة الاسرائيلية مع المرور الحر الى الاماكن المقدسة.

  • ب. أم كانت تحت اعتبار سيادة مقسمة ما بين اسرائيل ودولة عربية مع ضمان حرية المرور.

  • ج. أم تحت أي من الاعتبارين مع قيام سلطة دولية في منطقة متفق عليها كالمدينة القديمة الواقعة بين الاسوار مع حرية المرور من والى اسرائيل والدولة العربية.

لا يمكن تركيز أي حل يرضي مطالب أي من الطرفين الا ان المسألة يجب ان تحل اذا ما كان المطلوب هو السلام الدائم، اننا على يقين من ان الصبر والتعقل من شأنهما ان يقودا الى حل وسط يكون عادلا وربما مقبولا حتى ولو لم يكن مثاليا بالنسبة لأي من الطرفين.

مراحل التنفيد

اننا على يقين من ان قسما رئيسيا من التسوية المعقولة يجب ان يكون في التنفيذ المرحلي الذي سيحدد بوضوح في اتفاقات السلام حتى تكون التسوية مقبولة بما فيه الكفاية بالنسبة الى جميع الاطراف وبالتالي حتى يجري تشجيعهم على اتخاذ الخطوات التوفيقية الضرورية فان جميع مراحل التسوية يجب ان يجري عليها النص كاملا في الاتفاق او الاتفاقات التي سيجري التوقيع عليها في وقت واحد تقريبا كجزء من (تسوية شاملة) ان بعض ما ينص عليه هذا الاتفاق او هذه الاتفاقات يمكن تنفيذه فور التوقيع. اما الباقي فيتطلب وقتا لابأس به وربما بعض سنوات من اجل تنفيذه وهذه البنود الاخيرة هي تلك التي يجب تنفيذها على مراحل واضحة جدا ولا سيما تلك الخطوات المتعلقة بالانسحاب المشروط بتدابير الامن وكذلك الخطوات الآيلة الى اقامة علاقات سليمة وطبيعية وان هذا التنفيذ على مراحل سيمكن كل طرف من ان يضمن لنفسه قبل الشروع في تنفيذ المرحلة اللاحقة بأن الطرف الآخر قد نفذ كلياً النصوص المتفق عليها بوضوح في المرحلة السابقة اما اذا اعتبر ان الطرف الآخر لم ينفذ ما وعد به فعندئد يحق له بأن يوقف تنفيذ ما يتوجب عليه في المرحلة اللاحقة وان يعالج هذه المسألة عبر اية اجهزة ثنائية او جماعية جرى انشاؤها للاشراف على التنفيذ. بهذه الطريقة لا يشعر أي من الفرقاء بأنه كان مضطرا الى التنفيذ من جانب واحد لأي بند من بنود الاتفاق في حال فشل الفريق الآخر في تنفيذ تعهداته الواضحة بموجب الخطوة السابقة.

الحماية والضمانات والمساعدات

واخيرا فان اتفاقات السلام يجب ان تتلقى الدعم والتأييد عبر عناصر متعددة الحمايات والضمانات والمساعدات والتأكيدات وبعض هذه يجب ان يكون منصوصا عنه في الاتفاقات نفسها ويكون بعضها الآخر منصوصا عنه في ملاحق منفصلة.

ان الاتفاقات يجب ان تتضمن التعهدات المتبادلة بشأن الامن والعلاقات السليمة بين الفرقاء والتي جرى الحديث عنها في الفصل الاول من هذا القسم وربما يجب ان تتضمن كذلك نصوصا تتعلق باقامة مناطق منزوعة السلاح تشرف عليها قوات من الامم المتحدة او مراقبون دوليون او لجان مشتركة من الاطراف المعنيين أنفسهم وهي مناطق تبقى على حالها هكذا طول المدة المنصوص عنها في الاتفاقات. يجب ان يتوافر شرط واضح بالاّ يجري سحب قوات الامم المتحدة بطلب من طرف واحد ومن المرغوب فيه ان يدعم مجلس الامن الدولي هذه الاتفاقات وان تتعهد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بصفة خاصة باحترام ودعم هذه الاتفاقات.ان مجلس الامن الدولي سيحتاج الى اتخاذ العمل اللازم بالنسبة الى المناطق المجردة من السلاح وكذلك بالنسبة الى قوات الامم االمتحدة او فرقاء المراقبين الدوليين. واذا ما تجاهل هذه التدابير والضمانات بعض او كل الفرقاء المعنيين من حيث التأكيد على عدم الحصول على أي خرق للاتفاقات فان هؤلاء يجوز لهم السعي وراء ضمانات اضافية من جانب واحد او اكثر من الدول العظمى.

وهذه قد تكون ضمانات جماعية للاتفاق ككل او ضمانات ثنائية معطاة لفريق واحد. ان هذه التفاصيل يجري الحديث عنها ادناه في القسم الخامس حيثما الحديث عن دور الولايات المتحدة في التسوية ولا شك ان الفرقاء سيتوقعون استمرار تلقي مساعدات عسكرية خارجية الى حين وصول الاستقرار والمصالحة الى نقطة لاتوجب الضرورة عندها السعي الى الضمانات ثم ان ادخال النصوص التي تنص على تحديد تصدير السلاح الى المنطقة امر ممكن. اما في اتفاقات السلام ذاتها واما في قرار يتخذه مجلس الامن الدولي داعما فيه هذه الاتفاقات وفي جميع هذه الحالات يتوجب ان يكون هذا الهدف الاكبر. ان هذه الاتفاقات تحتاج الى دعم يقتضي بأن تتولى الدول الغنية المعنية بالاستقرار في المنطقة بتقديم المعونة الاقتصادية اللازمة للتطور السلمي لشعوب المنطقة ودولها.

وسيلة التفاوض

ربما كانت اصعب مهمة تواجه الساعين الى السلام هي تلك الآيلة الى التنفيذ لقد جرت تجربة سلسلة من الوسائل منذ سنة ١٩٦٧م مثل وساطات الامين العام للامم المتحدة ومندوبه الخاص ومحادثات الدول الاربع في الامم المتحدة والمحادثات الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ووساطات الولايات المتحدة مع بعض او كل الفرقاء المعنيين من اجل الوصول مبدئيا الى تسوية مقبولة وبالتالي الى خطوات مرحلية من شأنها الخروج من نقطة عدم الحركة. ومنذ حرب ١٩٧٣م كان التركيز كله تقريبا على الخطوات المرحلية.ان عقد اتفاق سيناء في ايلول (سبتمبر) ١٩٧٥م بكل ما فيه من مغزى. وواقعية بما يبعد كل شك قد جلب معه بعض المصاعب بالوسيلة التي جرى فيها.ان الطرفين المعنيين يعتبران انهما قدما تنازلات كثيرة وبشكل يجعل من الصعب سياسيا تقديم أي تنازلات ضرورية للتسوية العامة في المستقبل القريب. من بين العرب فان مصر هي وحدها التي استفادت من هذا الاتفاق. ان العرب الآخرين المعنيين بالمسألة يريدون بدورهم استجابة لمطالبهم. لذلك فان ما جرى من انقسامات وانتقامات بين العرب انفسهم قد عقـَّد وسيلة التسوية. بالاضافة الى ذلك فان الاتحاد السوفياتي يزداد حنقا لتركه على الهامش. ان زعماءه يعتقدون بأن مصالحه الهائلة في المنطقة ودوره الرسمي كرئيس مشارك لمؤتمر جنيف يبرران ممارسته لدور رئيسي في وسيلة احقاق السلام سواء أكان ذلك اتفاقا بالتراضي أم عبر خطوات مرحلية. مع ان الاتحاد السوفياتي لم يتدخل في ممارسة وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر لدبلوماسية التنقل بين الطرفين في آذار او آب ١٩٧٥م فانه كان مستاء بالتأكيد من طريقة التآمر في وضعه على الهامش من عدم استشارته طوال تلك الحقبة في وضع خبراء اميركيين في سيناء من غير موافقته. ان الاتحاد السوفياتي بسبب علاقته بسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية يتمتع بالتأكيد بالقدرة الكبيرة على عرقلة وتعقيد اما الخطوات المرحلية او التقدم نحو التسوية الشاملة وفي الوقت نفسه فان الولايات المتحدة في سبيل الوصول الى هذا الاتفاق المحدود قد اصدرت تعهدات كثيرة نالت من قدرتها التي تحتاجها من اجل الوصول الى التسوية الشاملة كذلك قد اصبحت هدفا للتهجم من جانب العرب الآخرين الذين يريدون الوصول الى هدفهم. ان الكونغرس الاميركي قد بدأ يعبر عن مصاعبه تجاه الالتزامات والتعهدات الاميركية المتزايدة التي لم تعط فقط لضمان التسوية المتفق عليها بل بصفة رئيسية لتسهيل خطوة محدودة اخرى في المحاولة.

وفي جميع الظروف لا تبدو في الافق الآن اية خطوات مرحلية يمكن ترتيبها في الوقت الحاضر. ان احدى الخطوات المرحلية الاكثر الحاحا هي اتفاق سوري ـ اسرائيلي الا ان زعماء سوريا واسرائيل اعلنوا تشاؤمهم من امكان تحقيق أي اتفاق حول مرتفعات الجولان باستثناء ماهو ضمن التسوية الشاملة وفي غياب مثل هذا الاتفاق يبدو ان اسرائيل غير مستعدة للتخلي عن المرتفعات المحصنة والكيبوتزات القريبة من خطوط وقف اطلاق النار فيما لا تبدو سوريا مستعدة لأن ترضى بانسحاب تجميلي. ولاشك بأنه من الضروري استمرار سبر اغوار الطرفين ولو ان ذلك لايعد بالشيء الكثير. وبما ان قدرة الاردن على تمثيل مصالح الضفة الغربية لاتزال موضع جدل وبما ان اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لا تعترفان احداهما بالاخرى فان امكان التفاوض على أي انسحاب جزئي من الضفة الغربية يبدو بعيد التحقيق. ان الاعتراف المتبادل ووقف جميع اعمال العنف بين الاسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية او أي ممثل آخر لفلسطين من شأنه ان يمثل كل المسعى الى التفاوض كما انه يشكل في حد ذاته خطوة مرحلية هامة. ان التدابير الثنائية في تقديم التنازلات في الاعراب عن حسن النية من جانب واحد او اكثر من الاطراف المعنيين وقد يساهم في تحسين الجو يجب التشجيع عليه. من جهة اخرى فان التصرفات الثنائية التي تزيد من المخاوف وتقوي من الانفعال وتؤخر التسوية بل وتوقفها يجب أن يعمل على منعها، ان أفضل ما يمكن ان يعمل في الوقت الحاضر هو الامتناع عن عمل أي شيء وبصرف النظر عن المدة التي يعتقد المفاوضون على تحقيق اتفاق سيناء بأنهم يحتاجون اليها لتحقيق الانفراج فان الوضع قد لايسمح لهم برؤية ذلك فما دامت سوريا والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بعيدة عن الدخول في عملية اقرار السلام فانها ستعمل بشكل أقوى من اجل تفشيل الاتفاق المصري الاسرائيلي واثارة التوتر والقلاقل من اجل استجلاب الاهتمام الدولي الى مطالبها وفي الاجمال بالتالي فاننا لانرى امكانا يبشر بالخير في المستقبل القريب للبدء بمحاولة جادة للتفاوض من اجل الوصول الى تسوية مقبولة تشمل جميع الاطراف المعنيين في النزاع.

وسيلة التسوية المقبولة

فيما تتضح الرغبة في التفاوض على تسوية مقبولة فان الوسائل الى ذلك غير واضحة ومع ذلك فاذا ما كانت المراوحة في المكان الواحد خطيرة جدا على المدى البعيد واذا ما كانت اية خطوات مرحلية غير معقولة في المستقبل القريب فليس هناك اية بديل لمواجهة هذه المصاعب والتغلب عليها. ان عقد مؤتمر عام في جنيف أو أي مكان آخر له حسناته وسيئاته. ان الحسنات كثيرة:

اولا: ان المؤتمر سيجمع كل او اكثر الفرقاء المعنيين وسيمكن كل حكومة من التأكيد لشعبها بأنه جرى الخروج من نقطة اللاحركية وبأن مشاكل هذه الشعوب هي الآن تحت النظر وان التقدم في ذلك لابد ان يأتي حتى ولو طال الزمن في ذلك.

ثانيا: ان عقد مؤتمر عام سيعطي اسرائيل ما كانت تطالب به من زمن بعيد أي ان يكون مناسبة للجلوس مع جيرانها والتفاوض معهم وجها لوجه وفي الوقت نفسه فانه سيمكن العرب من التفاوض بطريقة موازية ولو ان ذلك يتم بالضرورة بصفة جماعية وبالتالي تجنب الانقسامات العامة التي تسببها الخطوات المرحلية. واخيراً ان مؤتمراً عاماً سيعيد الاتحاد السوفياتي لكونه رئيسا مشاركا الى وسيلة المفاوضة وسيجره علنا الى القبول او الرفض لحصة من المسؤولية في العمل الايجابي من اجل التسوية ومن المؤكد ان دوره سيكون شرعيا وفعالا في وقت واحد اذا ما تحرك باتجاه الحياد باعادة علاقاته مع اسرائيل. ان نوايا الاتحاد السوفياتي وامكاناته في الشرق الاوسط هي الآن موضع اختلاف كبير في الرأي. فالمنطقة جغرافيا قريبة من الاتحاد السوفياتي وله فيها مصالح هائلة وارتباطات معروفة منذ سنة ١٩٥٥م على الاقل. لقد تعدلت امكانات نفوذه بين مكان وآخر وبين زمن وآخر وهذا ما سيبقى مستمرا في المستقبل ومن الممكن منع الاتحاد السوفياتي من تحقيق السيطرة على المنطقة ولكن ليس من الممكن طرده منها ويبدو من المحتمل بألاّ يريد الاتحاد السوفياتي وقوع حرب جديدة في الشرق الاوسط قد توقعه في مشاكل مستعصية حول مدى استعداده لدعم اصدقائه وكذلك في مجابهة غير مستعدة مع الولايات المتحدة.

و حتى الآن لا يزال من غير المعروف ما اذا كان الاتحاد السوفياتي يفضل بوجه عام تحقيق تسوية معقولة بدلا من استمرار الحال غير المستقر الآن.اذا كان الامر كذلك ما مدى استعداده لبذل نفوذه في هذا الاتجاه وكل هذا يمكن التحقق به بالتجربة. من المؤكد ان الاتحاد السوفياتي غير راغب في استعجال تحقيق التسويات التي يعارضها اصدقاؤه العرب بقوة وربما كان راغبا بالمساهمة بتحقيق التسوية التي تحمي مصالحه ومصالح العرب وحيثما يستطيع ان يمارس دورا كبيرا في مجال التفاوض. وبما انه لابد من التأكيد على الاتحاد السوفياتي ان له قدرة قوية على منع حصول التسوية العامة وعلى ان أية تسوية يعارضها هو ستكون عرضة للاهتزاز فان مشاركته في وسيلة التفاوض وفي التدابير وفي الضمانات الناتجة عن التفاوض الناجح من شأنها ان تخلق توازنا حسنا هو لصالح المؤتمر العام اكثر مما هو لغير صالحه.

وهناك عقبات قوية ومحتملة قد تعترض المؤتمر العام.

العقبة الاولى: هي ان مسألة التمثيل الفلسطيني لم تحل بعد. بعضهم يصر على ان منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكنها ان تحضر ما دامت هي واسرائيل لا تعترفان احدهما بالاخرى، ومن جهة اخرى بعضهم الآخر يصر على ان المؤتمر لايمكن ان ينعقد الا اذا شاركت به المنظمة. لقد اكد بعضهم بأنه اذا ما شاركت منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر جنيف الذي سيعمل بناء على قرار ٢٤٢ والقرار ٣٣٨ لمجلس الامن واذا كان عليها ان تفاوض اسرائيل فمعنى ذلك ان المنظمة تعترف باسرائيل وبحقها في العيش بسلام وامن.

وفي جميع الاحوال فان ما يجب ان يتقرر سواء أكان ذلك قبل انعقاد المؤتمر أم بعد زمن طويل من انعقاده فهو كيفية تمثل الفلسطينيين. ان الحل الذي يحل المشاكل الكثيرة ربما كان الاعتراف المتبادل ما بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتفاق بينهما على وقف اعمال العنف على الاقل خلال انعقاد المؤتمر والحلول الاخرى المعقودة قد تكون انشاء سلطة مفاوضة فلسطينية تتضمن منظمة التحرير الفلسطينية وعناصر من الضفة الغربية وقطاع غزة او على الاقل مؤقتا ادخال عناصر فلسطينية ضمن الوفود العربية.

العقبة الثانية: هي الخوف من ان يتحول المؤتمر العام الى مكان للمناقشات الكلامية شبيهة بتلك التي في مناقشات الجمعية العامة للامم المتحدة عند ذلك فان المؤتمر يدخل سريعاً في مرحلة عدم الانتاج على اساس ان يدعم الاتحاد السوفياتي العرب فيما تدعم الولايات المتحدة اسرائيل ولو مبدئيا.

لقد قيل مرة انه اذا فشل المؤتمر فان الحال ستصبح أسوأ مما لو لم ينعقد المؤتمر.

هذه عقبات رئيسية ولكن يجب التغلب عليها ان لم يكن هناك احتمال آخر مفضل للمفاوضة بوسيلة او بأخرى من اجل الحصول على تسوية معقولة. لاشك ان وزير الخارجية كيسنجر اخذ بهذا الرأي عندما القى خطابه امام الجمعية العامة للام المتحدة في ٢٢ ايلول وقال ان الولايات المتحدة ستدعم فقط مفاوضة مرحلية سوريه ـ اسرائيلية او عودة الى مؤتمر جنيف بل كذلك واجتماعا ثنائيا غير رسمي لتقدير الامور وبحث المستقبل.

ان اجتماعا غير رسمي من هذا النوع من شأنه ان يكون مقدمة لمؤتمر رسمي وربما نتجت عنه حسنات تجنب او تؤجل مسألة تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الحاضر. من جهة اخرى فاذا ما كان الاجتماع غير رسمي قادرا على ان يكون اكثر من اجتماع تحضيري والدخول في مفاوضات متقدمة فان مسألة التمثيل الفلسطيني يمكن بحثها ومعالجتها.

ان تنظيم مثل هذا الاجتماع غير الرسمي يثير التساؤلات بدوره، من الذي سيتخذ المبادرة لتدبير الاجتماع والاشراف عليه؟ الاحتمالات قد تشمل تشارك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في العمل او الولايات المتحدة الاميركية وحدها او الامين العام للأمم المتحدة وكل من يتخذ المبادرة سيود بلاشك ان يشاور المعنيين الآخرين ويتوجب عليه بلاشك ان يحصل على موافقة الفرقاء المعنيين في المنطقة وتعاونهم معه ولاشك ان عقد مؤتمر من اجل تحقيق التسوية المعقولة يحتاج الى تحضير جيد. على صعيد آخر فان التحضيرات لايجب ان تكون معقولة الى الحد الذي يسبب طريقا مسدودا او تأخيرا للمؤتمر.

ان القضايا الرئيسية يجب ايجاد الحل لها في عمل تحضيري.

ان المؤتمر اذا عقد يمكن ان يبدأ بالتأكيد على قراري الامم المتحدة الرقمين ٢٤٢ و٣٣٨ اللذين يتضمنان اسس التسوية وهناك امكان آخر وهو انه قبل الشروع في التفاوض على تفاصيل التسوية فان اية محاولة يجب ان تبذل للاتفاق على اطارها العام ومبادئها السياسية. على أية حال يجب ان تعقد جلسات علنية ضمن حد ادنى على ان تقوم بالعمل الجدي لجان متعددة كل منها مكلفة بالتفاوض على كل واحدة من القضايا الرئيسية.

ان الفرقاء المعنيين يجب ان ينالوا التشجيع لتقديم مقترحات عملية لحل المشاكل الرئيسية اما اذا كان الفرقاء المعنيون يواجهون عراقيل سياسية تمنعهم من تقديم المقترحات التي تجد الموافقة عليها فربما كان على واحد او على رئيس المؤتمر ان يقوم بالدور وفي العمل الجاد بتقدم.

ربما اصبح من الممكن التقدم نحو الخطوات المرحلية وهذه ستخفف من التوتر وستعطي الوقت الكافي من اجل الوصول الى التسوية.

ان التوقيت قضية رئيسية الى حد ما فمع هذه القضايا المعقدة والخلافات الحادة والمشاكل السياسية والداخلية المتكاثرة لدى كل الاطراف فان عملية تركيز تسوية دائمة حتى ولو نجحت افتراضا تحتاج الى زمن كاف.

من جهة اخرى فان التقدم المستمر مطلوب اذا ما كان يتعين تخطي كل مخاطر المراوحة في المكان الواحد وتأزم الاوضاع وترديها وكذلك الانفجار.

الدور الاميركي في التسوية

لوشاء المرء الحكم على اختبارات السنوات الثمانية الماضية يبدو من المؤكد بأن الحكومات العربية والاسرائيلية لا تستطيع الوصول الى تسوية في المستقبل المنظور من غير التشجيع القوي من جانب الدول الكبرى.

ان الحكومات المعنية مباشرة يجب ان تتحمل مسؤولية التفاوض والاتفاق الا ان المبادرة والزخم والدعم يمكن لها كلها ان تأتي من خارج.

لقد مارست الامم المتحدة دورا مرموقا في المنطقة منذ ١٩٤٧م ووضعت بعض المبادىء الرئيسية للتسوية التي قبل بها جميع الاطراف المعنية في قراري مجلس الامن ٢٤٢ للعام ١٩٦٧م و٣٨٨ للعام ١٩٧٣م ولا تزال تحافظ على قوة حافظة للسلام ضرورية جدا على طول خطوط وقف اطلاق النار في سيناء وفي مرتفعات الجولان مع ذلك فمنذ ١٩٦٧م لم تستطع الامم المتحدة ان تبذل طاقاتها او ان تكسب الثقة الكاملة لجميع الفرقاء الى الحد الكافي الذي يؤدي الى التسوية العامة ويبدو على الامم المتحدة انها الآن اقل امكانا في ممارسة هذا الدور مع انها قد تستطيع ممارسة دور اكثر تأثيرا في تنفيذ التسوية عبر قوات الامم المتحدة وعبر البرامج السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي ستنشأ عن التسوية.

ان مصالح الاتحاد السوفياتي وتأثيره في المنطقة ودوره كرئيس مشارك في المؤتمر العام قد وردت الاشاره اليها اعلاه غير انه ليس من الواضح بعد مدى استعداده للعمل من اجل تسوية عامة، ولكن ربما ان تعاونه سيكون مفيدا بلاشك وربما كان أساسيا. فان مشاركته في تحضير وتسيير المفاوضات يجب التأكيد عليها وكذلك يجب اختبار نواياه.

اما الولايات المتحدة فلأنها تتمتع بثقة الاطراف كلهم ولديها وسائل مساعدتهم اقتصاديا وعسكريا فانها تبقى القوة الكبرى الاكثر استعدادا لتعمل واقعيا على ايجاد التسوية فالواقع ان كل ما تفعله الولايات المتحدة او لا تفعله سيؤثر على سياسات جميع الاطراف وعلى احتمالات التسوية، انها بمجرد التحرك او عدم التحرك ستعمل شاءت او ابت على تقوية او اضعاف العناصر لدى الطرفين العاملين على اقامة سلام دائم رغم كل المصاعب التي جرت الاشارة عليها.

على صعيد آخر فان الولايات المتحدة سواء وحدها او بالاشتراك مع الاتحاد السوفياتي لا تستطيع ان تفرض التسوية ولن يكون قرارا حكيما من جانبها بأن تحاول وضع مسودة مفصلة لما ترتئيه بانه التسوية المنشودة. على قدر الامكان فان التسوية يجب ان تكون مجالا للتفاوض من جانب الفرقاء المعنيين.

ان هذه التحفظات حول الدور الاميركي الواسع لاتعني على الاطلاق بأن على الولايات المتحدة وحدها او مع الآخرين الا تعتبر نفسها حرة في أي زمان لأن تقترح على أصحاب العلاقة الحلول لتخطي المصاعب مهما كبرت او صغرت والتي ستنشأ بلاشك.

انه لمن المناسب بالنسبة الى دولة تعرض خدماتها في نزاع دولي ان تفعل ذلك فان لم تفعل ذلك ونظرا الى المصاعب الموضوعة على كاهل الفرقاء المعنيين فان المسألة كلها يمكن ان تنهار.

ان الادارة الفعالة لمؤتمر عام او لاجتماع غير رسمي مثلا تتطلب دورا فعالا من جانب الرئيس المشارك بين حين وآخر تماما كما جرى عليه الامر خلال المفاوضات حول الاتفاقات المرحلية.

والى جانب المساعدة على ايجاد الاطار للتفاوض وتقديم المقترحات العملية بين حين وآخر فان الولايات المتحدة تستطيع ان تقدم على خطوات بناءة في ظروف مؤاتية وعلى درجات متفاوتة، فانها تستطيع ان تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية وهذه المساعدات اذا ما قدمت ضمن حدود معقولة لا تثير المخاوف وتستطيع ان تعطي الفرقاء الضمان الكافي للأمن والاستقرار من اجل تمكينهم من تقديم التنازلات التي يمكن ان يرفضوا تقديمها بشكل آخر وربما كان الجانب الاكثر اثارة من الدور الاميركي هو ما اذا كان عليها ان تقدم التعهدات والضمانات لتأييد التسوية اضافة الى التعهدات المتبادلة التي يتخذها الفرقاء وأي ضمانات وحمايات ربما تقدمها الولايات المتحدة.

اما النقاش الاخير حول اتفاق سيناء فقد برهن على ان الكونغرس سيكون مترددا جدا لتقديم الضمانات أو لأخذ تعهدات تتخطى التأكيدات التقليدية في تقديم المساعدات او اجراء المشاورات اذا ما طبقت هذه التعهدات والضمانات على الوضع الحالي غير المستقر.

ان الكونغرس قد ينظر جديا في بعض اشكال الضمانات لسلام معقول. من المؤكد انه غير واضح بعد ما اذا كان الاطراف المعنيون يتمنون الحصول على ضمانات اميركية ثنائية.

في الماضي قالت اسرائيل انها غير مهتمة بضمانات كهذه. ربما كانت تخاف بأن هذه قد تحل مكان ضمانات الامن التي كانت تفضلها هي، الا ان هذا الوضع قد تغير واذا ما ظهر في أي وقت بأن هذه الضمانة الثنائية الاضافية لاسرائيل وحدها او للفرقاء الآخرين كذلك هي اساسية للوصول الى التسوية فانـَّا نعتقد بأن ضمانات كهذه هي في مصلحة الولايات المتحدة ويبدو من المحتمل بأن تقديم ضمانة لجميع الفرقاء يفضل ان تكون جماعية وان تشارك بها بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي الى جانب الولايات المتحدة.

ان مدى فعالية الضمانة الاميركية وما اذا كانت تتضمن التزاماً من جانب القوات المسلحة الاميركية فأمر يوجب الدراسة المتعمقة والمناقشة ويجب ان ينال التفهم الكامل والموافقة من جانب الكونغرس الاميركي والرأي العام، ونظرا الى هذه المصاعب فان الضمانة الاميركية اذا ما اعطيت يجب الاتجبر الولايات المتحدة على التدخل لمعالجة خرق اتفاقات السلام التي تمكن معالجتها بوسائل اخرى ويجب ان تحصر بالانتهاكات الكبرى للاتفاقات والتي تهدد السلام العالمي ووجود الدول.

ان المنطلق الاساسي للضمانات الخارجية يجب على الارجح ان تكون:

  • اولا: بأنها اساسية للحصول على تسوية للمحافظة عليها.

  • ثانياً: بأنها ليست زائدة على اللزوم نسبة لهذا الهدف.

  • ثالثا: بأنها يجب الا تكون موجهة ضد احد بل مجرد تعهدات من اجل المحافظة على اتفاقات السلام.

انتهى التقرير

تحليل عام للتقرير

مصالح اميركا في (عقد السلام):

يبتدى التقرير بقوله

”ان للولايات المتحدة مصلحة رئيسية في قيام سلام دائم في الشرق الاوسط“.

  1. ان سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وفي اوروبا الغربية ومع روسيا ومع الصين وفي افريقيا وفي اميركا الجنوبية تدور حول مصلحة الولايات المتحدة وليس هناك شيء آخر سوى مصلحة الولايات المتحدة.

  2. ان ما تريده اميركا وتسعى اليه في الوقت الحاضر هو قيام (سلام دائم) بين اسرائيل والبلاد العربية وليس تسوية مؤقتة او تهدئة للاوضاع المتوترة بين العرب واليهود.

  3. ان مصلحة الولايات المتحدة في ذلك:

    • أ. الصراع العربي اليهودي يؤدي الى احتكاكات وحروب محلية قد تؤدي الى احتكاك مباشر بين روسيا واميركا على اعتبار انه ليس من مصلحة روسيا ان تتخلى عن تسليح العرب وان اميركا لاتسمح بضرب اسرائيل ضربة موجعة.

    • ب. علاقة اميركا الوطيدة بكلا الطرفين تجعلها الخاسرة في استمرار الصراع وتطوره الذي يمكن ان يصل الى تهديد مصالح اميركا حيث يقول التقرير: ان امن هذه الدول وتطويرها المستقبلي سيبقيان (عرضة لمهب الريح) الى ان يتم عقد التسوية. ان كلمة (عرضة لمهب الريح) تعني ان الامور قد تجري بغير ما تخطط اميركا، وهذا يعني عدة احتمالات سنتعرض لها.

    • ج. استمرار السيطرة على نفط المنطقة، يقول التقرير:

      ”ان للولايات المتحدة مصلحة قوية في الاستمرار الدائم لتدفق نفط الشرق الاوسط اليها“

      ولنلاحظ الصياغة: مصلحة، مصلحة قوية، في الاستمرار، في الاستمرار الدائم، تدفق نفط الشرق الاوسط، لانفط بلد واحد من بلدانه، تدفق النفط اليها، الى اميركا.

    • د. الاستمرار في السيطرة الاقتصادية. ويجدر بنا الانتباه الجيد الى التعابير، يقول التقرير:

      ”ان للولايات المتحدة مصلحة متزايدة وهائلة في المتاجرة وفي استثمار الاموال فالمصالح تزيد سنة على اخرى“

      أي ان الاستسلام للخط الاميركي في البلاد العربية كامل بحيث ان المصالح الاميركية تزحف الى المنطقة زحفا، فهي مصالح متزايدة وليس فقط متزايدة فهي هائلة.

      وهذا ليس كلام بلد فقير او بلد محتاج بل كلام اضخم بلد في الانتاج الاقتصادي وفي القوة العسكرية وفي الثروات الطبيعية ومع ذلك فان مصالحها في المنطقة هائلة وتتمثل هذه المصالح الاقتصادية:

      1. في تدفق النفط وتسويق السلع الاميركية.

      2. في نهب الاموال التي تحصل عليها المنطقة ثمنا لنفطها، ويعبر عنها التقرير فيقول (وفي استثمار البترول).

    • ه. استعمال المنطقة كممر للمصالح السياسية الاقتصادية والعسكرية ويعتبر التقرير الاهمية الجغرافية للمنطقة اهمية متزايدة ولذلك فللولايات المتحدة مصالح متزايدة وهائلة في هذا المجال.

    • و. الاهتمام بالمنطقة كعامل من عوامل تمكن اميركا في السير باتجاه السيطرة الاميركية العالمية من خلال المتغيرات التي تحدث في العالم يقول التقرير:

      ”ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الاميركية في اقامة استقرار عالمي..“

      والاستقرار العالمي في نظر اميركا هو استمرار السيطرة الاميركية وكل خلل او عرقلة لهذه السيطرة واستمرارها مخالف للاستقرار العالمي.

    • ز. يقول التقرير:

      ”ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في المساعدة على توطيد التلاحم الاقتصادي المتزايد بين الدول.“

      ويقول:

      ”ان المصالح الاميركية متلاحمة مع مصالح دول هذه المنطقة“.

      ان تعبير المصالح المتلاحمة يعني الشيء الكثير. فالتوسع الاقتصادي الاميركي يشمل الدول الصناعية في اوروبا واليابان كما يشمل العالم الاسلامي وعالم اميركا الجنوبية وافريقيا السوداء والعالم البوذي والبرهمي. ونموذج هذا التوسع في هذه المنطقة التي يسميها الغربيون الشرق الاوسط. وهذا يعني ان السيطرة الاميركية في المنطقة لا يعيقها عائق فالوجود الانكليزي والفرنسي الباقي غير ذي بال كما لا وجود للمصالح الاقتصادية الروسية في الواقع الا ما تسمح به اميركا.

الخطة الاميركية لعقد السلام:

  1. ان تواصل اميركا الاتصال بالاطراف المعنية لكي لا تتجمد العلاقات وتستمر في التحرك من خلال التحرك الاميركي. يقول التقرير:

    ”من الضروري الابقاء على مسعى التسوية“.

  2. لا تستعجل اميركا في ايجاد التسوية وانما تترك ذلك الى ترويض المنطقة على قبولها. والمهم لديها الاستمرار والتقدم ولو كان بطيئا خوفا من انفلات الامر. يقول التقرير:

    ”وفي غياب التقدم فإن عراقيل التسوية قد تتصلب من جديد فيما يجري استبدال السياسات المعتدلة والسياسيين المعتدلين بسياسات وزعماء اكثر الحاحا، وهذا يؤدي الى نشوء الخطر على أمن جميع الاطراف“.

  3. تعتبر الخطة ان سياسة الخطوات الكيسنجرية قد أدت غرضها ولا داعي للاستمرار بها. يقول التقرير:

    ”ان الجهود الرامية الى تحقيق السلام يجب ان تتركز بعد اليوم على التفاوض من اجل الوصول الى تسوية معقولة لا تتضمن من الخطوات المرحلية الا تلك التي تعتبر تحضيرا اساسيا لذلك التفاوض“.

  4. السلام المستقر الذي تريده الخطة يتطلب من الدول العربية والفلسطينيين التنازلات التالية:

    1. الاعتراف باسرائيل.

    2. احترام سيادة اسرائيل. أي عدم التفكير بقضايا العرب داخل اسرائيل والارض العربية التي تحتلها.

    3. احترام استقلال اسرائيل. أي عدم التفكير الآن وفي المستقبل باسترجاع الاراضي المحتلة.

    4. ايجاد الامن لاسرائيل والامتناع عن تهديدها. أي انهاء العمل المسلح الفلسطيني ضد اسرائيل.

    5. انهاء الدعاية المعادية لاسرائيل والامتناع عن التكلم بأخطار وجود النفوذ الاستعماري الجديد.

    6. العلاقات الدولية مع اسرائيل وتعني الاعتراف المتبادل والتعايش في المحيط الدولي بين اسرائيل والدول العربية.

    7. العلاقات الاقليمية مع اسرائيل. أي أن تقبل اسرائيل في المنظمات الاقليمية التي تدخل اليها الحكومات العربية.

    8. العلاقات السياسية مع اسرائيل. أي تتبادل الحكومات العربية واسرائيل التمثيل الدبلوماسي وتنشأ بينهما علاقات سياسية في المجالات المختلفة.

    9. العلاقات الاقتصادية ويعني ذلك انهاء المقاطعة العربية والسماح لاسرائيل بالعبور ضمن الارض العربية بالنقل البري والجوي والبحري وعبور الاسرائيليين الى البلاد العربية وتبادل السلع وانتقال رؤوس الاموال او تبادل النشاط الاقتصادي أي أن تفتح الابواب العربية للسيطرة اليهودية على مصاريعها.

  5. ولكي تكون الخطة مقبولة لدى الشعوب العربية وحتى لا ينعزل الحكام عن شعوبهم فقد قررت الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي التي احتلتها على مراحل وفي سنوات يجري خلالها ترويض الجماهير على قبول الاوضاع الجديدة.

  6. تعتني الخطة باقناع الفلسطينيين واغرائهم:

    • أ. باقامة دويلتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة مع تعديل طفيف لتسوية الحدود بينهم وبين اسرائيل. لتكون هذه الدويلة جسرا لمد نفوذ اسرائيل الى بقية الاقاليم العربية.

    • ب. تقسيم القدس بين اليهود والعرب باتفاق خاص لتحديد العلاقات في القدس بين اليهود والفلسطينيين.

    • ج. اغراؤهم بالمساعدات الاقتصادية والفنية والمساعدات المختلفة، وستكون الاموال العربية العمود الفقري للمصاريف الاميركية في المنطقة.

  7. تفتح الخطة الباب لدخول روسيا اذا وافقت على السير في الخطة يقول التقرير:

    ”والمعونة السوفياتية هي ايضا ستكون موجودة ما دام الاتحاد السوفياتي راغبا في اداء دور بناء“.

  8. تحاول اميركا اشراك قوى دولية لتنفيذ خطة السلام او خطة فتح الابواب امام اسرائيل. وقد تتمثل القوى الدولية بقوات من الامم المتحدة او قوانين دولية او عقد معاهدات ثنائية او جماعية دولية لحماية نتائج الخطة.

أسلوب تنفيذ الخطة:

  1. استمرار الاتصالات الاميركية بالاطراف المعنية.

  2. الضغط السياسي والاقتصادي على الاطراف المعنية.

  3. قرارات الامم المتحدة هي مبادىء التسوية.

  4. اشراك الاتحاد السوفياتي والقوى الدولية الموافقة على الخطة.

  5. اشتراك الفلسطينيين في ايجاد التسوية.

  6. عقد مؤتمر جنيف بعد أخذ الموافقات الاولية على التسوية.

  7. تعقد الاتفاقات الثنائية والجماعية بين العرب واليهود ويستمر عقد هذه الاتفاقات خلال سنوات الانسحاب وتعتمد على مدى ترويض العرب على قبول الوجود اليهودي والنفوذ الاستعماري الجديد الذي سيحول اليهود من جماعة معزولين في فلسطين الى اخطبوط يمتد الى اعماق البلاد العربية. ويكون الانتقال من مرحلة الى مرحلة تحت اشراف اميركا وقناعتها بأن الخطة سارت على ما يرام. ويكون هناك ضمانات اميركية لايقاف تنفيذ الانسحاب عندما يتلكأ العرب في قبول الشروط الجديدة التي ستفرض عليهم.

موقف حكومات المنطقة من الخطة:

  1. السياسة الاسرائيلية مرتبطة ارتباطا عضويا بالسياسة الغربية والارتباط الفعلي الآن يتمثل بالارتباط بالسياسة الاميركية، ولا يمكن لاسرائيل ولأمد غير منظور ان تنفك عن السياسة الاميركية. ولذلك فان السلوك السياسي الاسرائيلي لايمكن ان يخرج عن الخط الاميركي سواء كان في الحكم حزب العمل أم تكتل ليكود او غيرهما. وان كل خلاف يعلن بين الولايات المتحدة واسرائيل في وسائل الدعاية الاميركية او الاسرائيلية لا يعدو اما ان يكون اما تعبيرا عن خطة متفق عليها بينهما لاستنزاف آخر قطرة من المقاومة العربية وقبول الجسم العربي بالعضو الغريب الذي زرع فيه والتعايش مع الكيان الاستعماري الاستيطاني الاقتصادي الجديد، واما اسلوبا من اساليب تمرير الخطة على الاسرائيليين بطريق الاقناع السياسي او من خلال معركة متفق عليها لوضع اهل المنطقة في وضعية نفسية اكثر ملاءمة لتنفيذ الخطة.

  2. لقد قبل العرب المؤثرون في التسوية الخطة الاميركية، يقول التقرير:

    ”ان جميع الدول العربية المتاخمة لاسرائيل قد اعترفت جميعها علنا بوجودها، كما اعلنت عن استعدادها ضمن شروط خاصة جدا لأن تفاوض على تسوية دائمة“

    ولذلك فان الخطة لاتعرقلها امور هامة.

    فالسياسة في البلاد العربية تبرز فيها القيادة السياسية في مصر متمثلة بأنور السادات والقيادة السياسية في المملكة السعودية متمثلة بالامير فهد ولي العهد وكلاهما يسيران في الخط الاميركي بشكل مفضوح وينفذان اوامر اميركا بدون مواربة والسبب في ذلك ان الوعي السياسي في المملكة العربية السعودية تجمد بفعل الاموال الكثيرة التي تتدفق من بقايا اثمان آبار النفط الغزيرة والتي حولت الشعور السياسي لدى الناس الى تصور متبلد، ثم ان المملكة السعودية سخرت مجموعة كبيرة من المثقفين العرب وغير العرب من المسلمين لتصوير السياسة السعودية وكأنها حامية الاسلام. وان الوعي السياسي في مصر يبدو في السطح كأنه مؤيد لأنور السادات، ولأن المعارضة منقسمة على نفسها بشكل يجعل الاطراف المعارضة اقرب للسادات منها لبعضها.

    ولذا نرى الحكام في البلدين يعملان بكل طاقتهما وبشكل معلن لتنفيذ السياسة الاميركية وتتبعهما كل القوى السياسية في العالم العربي حتى ان عملاء الانكليز الذين يمثلون الثورية العربية امثال حكام العراق واليمن الجنوبي يشعرون بعزلة ويحاولون الاتصال بالخط الاميركي لفك العزلة واما عملاء الانكليز التقليديون فانهم يسيرون تحت المظلة الاميركية الكبيرة مع الاحتفاظ بالولاء للانكليز.

العلاقات الدولية في الخطة:

  1. يبدو ان الولايات المتحدة لاتقيم أي وزن دولي في المنطقة الا لروسيا. فهي تعترف بمصالح الاتحاد السوفياتي لقربه الجغرافي، يقول التقرير:

    ”فالمنطقة جغرافيا قريبة من الاتحاد السوفياتي وله فيها مصالح هائلة“.

  2. ولكنها لاتعتبر للاتحاد السوفياتي وجودا سياسيا ثابتا في المنطقة يقول التقرير:

    ”لقد تعدلت امكانات نفوذ الاتحاد السوفياتي بين مكان وآخر وبين زمن وآخر، وهذا ما سيبقى مستمرا في المستقبل“.

  3. الا ان عدم ثبوت واستقرار نفوذ الاتحاد السوفياتي لايعني نفي وجوده السياسي، يقول التقرير:

    ”ومن الممكن منع الاتحاد السوفياتي من تحقيق السيطرة على المنطقة ولكن ليس من الممكن طرده منها“

    ويعني ذلك ان عدم استقرار نفوذ الاتحاد السوفياتي ناتج عن عمل الولايات المتحدة.

  4. ولذلك فان الوجود السوفياتي في مصر والسودان انتهى، ويمكن ان ينتهي من العراق وسوريا والصومال. ثم من ليبيا واثيوبيا.

ملاحظة عامة على الخطة:

ان الخطة كلها تكشف عن جهل السياسة الاميركية بحقيقة تكوين شعوب المنطقة. هذا التكوين العقائدي والتاريخي والحضاري العميق الذي سيمتنع بالتأكيد على كل محاولات التطويع الاستعماري.

ان اغترار اميركا بقدراتها المادية الهائلة على فرض خطتها بأنواع الضغوط والاغراءات وتماديها في ذلك سيكون سببا في تفجير طاقات الامة الكامنة ويقظتها على ذاتها ورفعها مجددا لراية الاسلام الظافرة.

وَلَيَنصُرَ‌نَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُ‌هُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾

التالي