الحادي والعشرون من ذي القعدة

نشرت في ذي القعدة ١٣٩٧ هجري

اليوم الحادي والعشرون من ذي القعدة يوم يعني لنا الكثير، ولأمتنا، انه اليوم الذي كتب فيه القتل على أخوة لنا فبرزوا الى مضاجعهم وكانوا اول طليعة تسقي طريق الدعوة بدمها.. اخوة وزملاء، عاشوا بيننا وعملوا في صفوفنا، ورأيناهم كيف ناداهم الله الى الشهادة فمشوا اليها مستبشرين فغيروا الاجواء المكفهرة في سماء بغداد وسماء أمتنا وأثاروا من جلال العقيدة والتضحية والشوق الى لقاء الله مشاهد لاتنسى.

ان مئات القتلى من الامه يسقطون على مدار السنة وفيهم شهداء او كالشهداء ولكن شهيد الدعوة ليس كغيره، لأن قضيته ليست كغيرها. ولا مثل الشيخ عارف والسيد حسين والسيد نورى والسيد عماد والسيد عزالدين في عصرنا شهداء..ولامثل يومهم في حياتنا يوم..

قريبة هي رحلة الشهيد حينما يدعى من صفه فيجيب.. وكبير ماينجزه لنفسه ودعوته.

ان الشهادة في سبيل الله اغلى امانينا، لانها ترفع احدنا من درجة من يعطي من نفسه لله الى درجة من يعطي نفسه لله. ومن يعطي من نفسه فان له وعليه، اما من يعطي نفسه فله ولاعليه.

ان اول قطرة من دم احدنا في سبيل الله، واول رفة اعتلاج لروحه، غفران لكل ذنوبه.. ثم رفرفات الملائكة واستبشار الانبياء: سلام عليك بما صبرت فنعم عقبى الدار.. فماذا فوق ذلك؟ وانها اغلى اما نينا: لانها تمثل قمة ما يعطيه احدنا لسبيل الله، وهذا السبيل العزيز علينا نريد له ان يمتد في الامة حتى تسلكه كلها، ونفرح ونستبشر حينما نغذي هذا الامتداد بدمائنا، ونضيء جوانبه بأرواحنا وندعوامتنا اليه بتضحياتنا

وكذلك مضى شهداؤنا الابرارفَرِ‌حِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُ‌ونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مضوا وهم يقولون لنا:

اهتموا باسلامكم، وموعدنا الجنة ان شاء الله.

من الناس من يحب ان يموت على فراش ويحرص على ذلك ويتجنب كل عمل في طريق ذات الشوكة. اما الداعية فكما قال امير المؤمنين عليه السلام:

لألف ضربة بالسيف اهون على عليّ من ميتة على فراش.

ولكن بعض الدعاة يتعجل الشهادة، يهيم بها، يبحث عنها، يريد أن ينتزعها انتزاعا فيأخذ منها ويعطي للدعوة. وكأنه ينسى ان الشهادة درجات وانواع، وان طريق الدعوة طويل واعباءه كثيرة، وان فرص الشهادة بعد اليوم ستزداد..

ينسى

أَلَمْ تَرَ‌ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ

وينسى

”لاتتمنوا لقاء العدو، ولكن اذا لقيتموه فاثبتوا“.

وينسى

(واما فلان فقد تعجل الشهادة،واما فلان فهو أفقه من صاحبه).

ان الشهادة ليست عملا من عمل الداعية وانما هي نتيجة لعمله في الدعوة وتتويج من الله لعمله. ان الذى يتخذ منا شهداء هو الله سبحانه فهو الذى يقرر: متى، ومن، وكيف. ولاينبغي لنا ان نتعجل القرار كما لا ينبغي لنا ان نجبن في عملنا خوفا من القرار. وانما شأننا ان نعمل وشأنه سبحانه ان يختار.

وكذلك كانت شهادة اخواننا السعداء: جاءت تتويجا لعملهم في الدعوة، وجزاء لما علمه الله من ايمانهم واخلاصهم واختيارا لمصلحتهم ومصلحة الدعوة. ولم يجبنوا عنها بل استبشروا بها، ولم يرضوا عنها من الدينا بدلا.

ان امتنا لن تستعيد موقعها في الشهادة على الشعوب مالم تقدم شهداء في سبيل الله. ومنذ قوض الاستعمار كيانها وسيطر عليها مرت بفترة راكدة بائسة كادت ان تقفل على نفسها ابواب الشهادة، لولا ان حركة الاسلام الخالد عادت تحلحل الركود فأخذت ابواب الجنة تتفتح على الأمه، يصعد منها الشهداء ويهب منها النسيم.

انه ليس اثقل على الداعية من حالة الركود في الامة فلا تتحرك لقول: ربي الله. ويتمكن اعداؤها منها فلايرون خطرا من قول: ربي الله. اما اذا بدأت الامة تستجيب، بدأ اعداؤها يشعرون بالخطر.. فهذه تباشير النصر، ومنافذ الجنة وخطوات الدعوة الظافرة.

رحم الله الشهيد ابا محمد فقد قال:

”الخطر الذي يحيط المجاهدين يتناسب مع حجم الدعوة التي يعملون ضمنها، وإن الاستشهاد في سبيل الله الذي هو أمنية المؤمن مرشح ان يناله الداعية الاسلامي منذ ابتداء ظهور دعوته الى نهاية مطاف حياته.“

ان شهداءنا الابرار الاحياء عند ربهم لم ينقطع عطاؤهم للدعوة، فهم حضور في نفوسنا وعملنا وامتنا: تذكرنا بهم صفاتهم وجهادهم ومواقفهم وكلماتهم واشياء كثيرة، ويذكرنا بهم عملنا في الطريق الذي عملوا وطموحنا بان نفوز كما فازوا.

وان يومهم في كل عام ينبغي ان يكون مناسبة لتركيز ذكراهم وعطائهم. لقد غابوا عن صف الدعوة ولكنهم اصبحوا طاقة امداد لمسيرتهم الظافرة.

فالى تكريم اخوانكم ايهاالاخوة الدعاة والاستمداد من شهادتهم لدعوتكم.

رحم الله شهداءنا الابرار.